المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٥٤
قوله عز وجل :
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٢٢ الى ٢٥]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥)
قوله تعالى : ذلِكَ إشارة إلى أخذه إياهم بذنوبهم وإن لم يكن لهم منه واق. ثم ذكر تعالى أن السبب في إهلاكهم هو ما قريش عليه من أن جاءهم رسول من اللّه بينات من المعجزات والبراهين فكفروا به، وذكر أن اللّه تعالى أخذهم، ووصف نفسه تعالى بالقوة وشدة العقاب، وهذا كله بيان في وعيد قريش.
ثم ابتدأ تعالى قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملإه، وهي قصة فيها للنبي صلى اللّه عليه وسلم تسلية وأسوة، وفيها لقريش والكفار به وعيد ومثال يخافون منه أن يحل بهم ما حل بأولئك من النقمة، وفيها للمؤمنين وعد ورجاء في النصر والظفر وحمد عاقبة الصبر، وآيات موسى عليه السلام كثيرة عظمها، والذي عرضه على جهة التحدي بالعصا واليد، ووقعت المعارضة في العصا وحدها ثم انفصلت القضية عن إيمان السحرة وغلبة الكافرين. والسلطان : البرهان.
وقرأ عيسى بن عمر :«سلطان» بضم اللام، والناس على سكونها.
وخص تعالى هامانَ وَقارُونَ بالذكر تنبيها على مكانهما من الكفر، ولكونهما أشهر رجال فرعون، وقيل إن قارون هذا ليس بقارون بني إسرائيل، وقيل هو ذلك، ولكنه كان منقطعا إلى فرعون خادما مستعينا معه.
وقوله : ساحِرٌ أي في أمر العصا. و: كَذَّابٌ في قوله : إني رسول من اللّه.
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لما جاءهم موسى بالنبوة والحق من عند اللّه، قال هؤلاء الثلاثة وأجمع رأيهم على أن يقتل أبناء بني إسرائيل أتباع موسى وشبانهم وأهل القوة منهم، وأن يستحي النساء للخدمة والاسترقاق، وهذا رجوع منهم إلى نحو القتل الأول الذي كان قبل ميلاد موسى، ولكن هذا الأخير لم تتم فيه عزمة، ولا أعانهم اللّه تعالى على شيء منه. قال قتادة : هذا قتل غير الأول الذي كان حذر المولود، وسموا من ذكرنا من بني إسرائيل أبناء، كما تقول لأنجاد القبيلة أو المدينة وأهل الظهور فيها : هؤلاء أبناء فلانة.
وقوله تعالى : وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ عبارة وجيزة تعطي قوتها أن هؤلاء الثلاثة لم يقدرهم اللّه تعالى على قتل أحد من بني إسرائيل ولا نجحت لهم فيه سعاية، بل أضل اللّه سعيهم وكيدهم.


الصفحة التالية
Icon