المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٦٤
أخبر اللّه تعالى أنه ينصر رسله والمؤمنين في الحياة الدنيا وفي الآخرة، قال بعض المفسرين : وهذا خاص فيمن أظهره اللّه على أمته كنوح وموسى ومحمد وليس بعام، لأنا نجد من الأنبياء من قتله قومه كيحيى ولم ينصر عليهم، وقال السدي : الخبر عام على وجهه، وذلك أن نصرة الرسل واقعة ولا بد، إما في حياة الرسول المنصور كنوح وموسى، وإما فيما يأتي من الزمان بعد موته، ألا ترى إلى ما صنع اللّه ببني إسرائيل بعد قتلهم يحيى من تسليط بختنصر عليهم حتى انتصر ليحيى، ونصر المؤمنين داخل في نصر الرسل، وأيضا فقد جعل اللّه للمؤمنين الفضلاء ودا ووهبهم نصرا إذ ظلموا وحضت الشريعة على نصرهم، ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم :«من رد عن أخيه المسلم في عرضه، كان حقا على اللّه أن يرد عنه نار جهنم»، وقوله عليه السلام :«من حمى مؤمنا من منافق يغتابه، بعث اللّه ملكا يحميه يوم القيامة».
وقوله تعالى : وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يريد يوم القيامة.
وقرأ الأعرج وأبو عمرو بخلاف «تقوم» بالتاء. وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة :«يقوم» بالياء.
والْأَشْهادُ : جمع شاهد، كصاحب وأصحاب. وقالت فرقة : أشهاد : جمع شهيد، كشريف وأشراف.
و: يَوْمَ لا يَنْفَعُ بدل من الأول. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وعيسى وأهل مكة «لا تنفع» بالتاء من فوق. وقرأ الباقون :«لا ينفع» بالياء، وهي قراءة جعفر وطلحة وعاصم وأبي رجاء، وهذا لأن تأنيث المعذرة غير حقيقي، وأن الحائل قد وقع، والمعذرة : مصدر يقع كالعذر. و: اللَّعْنَةُ : الإبعاد.
و: سُوءُ الدَّارِ فيه حذف مضاف تقديره : سوء عاقبة الدار.
ثم أخبر تعالى بقصة موسى وما أتاه من النبوة تأنيسا لمحمد عليه السلام، وضرب أسوة وتذكيرا لما كانت العرب تعرفه من أمر موسى، فيبين ذلك أن محمدا ليس ببدع من الرسل. و: الْهُدى النبوة والحكمة، والتوراة تعم جميع ذلك.
وقوله : وَأَوْرَثْنا عبر عن ذلك بالوراثة إذ كانت طائفة بني إسرائيل قرنا بعد قرن تصير فيهم التوراة إماما، فكان بعضهم يرثها عن بعض وتجيء التوراة في حق الصدر الأول منهم على تجوز. و: الْكِتابَ التوراة. ثم أمر نبيه عليه السلام بالصبر وانتظار إنجاز الوعد أي فستكون عاقبة أمرك كعاقبة أمره. وقال الكلبي : نسخت آية القتال الصبر حيث وقع.
وقوله تعالى : وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ يحتمل أن يكون ذلك قبل إعلام اللّه إياه إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لأن آية هذه السورة مكية، وآية سورة الفتح مدنية متأخرة، ويحتمل أن يكون الخطاب في هذه الآية له والمراد أمته، أي إنه إذا أمر هو بهذا فغيره أحرى بامتثاله. وَالْإِبْكارِ والبكر : بمعنى واحد.
وقال الطبري : الْإِبْكارِ من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. وحكي عن قوم أنه من طلوع الشمس