المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٥٦٧
و: تُؤْفَكُونَ معناه : تصرفون على طريق النظر والهدى، وهذا تقرير بمعنى التوبيخ والتقريع، ثم قال لنبيه : كَذلِكَ يُؤْفَكُ أي على هذه الهيئة وبهذه الصفة صرف اللّه تعالى الكفار الجاحدين بآيات اللّه من الأمم المتقدمة على طريق الهدى، ثم بين تعالى نعمته في أن جعل الْأَرْضَ قَراراً ومهادا للعباد، وَالسَّماءَ بِناءً وسقفا.
وقرأ الناس :«صوركم» بضم الصاد. وقرأ أبو رزين :«صوركم» بكسر الصاد. وقرأت فرقة :
«صوركم» بكسر الواو على نحو بسرة وبسر.
وقوله تعالى : مِنَ الطَّيِّباتِ يريد من المستلذات طعما ولباسا ومكاسب وغير ذلك، ومتى جاء ذكر الطَّيِّباتِ بقرينة رَزَقَكُمْ ونحو فهو المستلذ، ومتى جاء بقرينة تحليل أو تحريم كما قال تعالى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف : ٣٢] وكما قال : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ [الأعراف : ١٥٧] والطيبات في مثل هذا : الحلال، وعلى هذا النظر يخرج مذهب مالك رحمه اللّه في الطيبات والخبائث، وقول الشافعي رحمه اللّه : إن الطيبات هي المستلذات، والخبائث، هي المستقذرات ضعيف ينكسر بمستلذات محرمة ومستقذرات محللة لا رد له في صدرها، وأما حيث وقعت الطيبات مع الرزق فإنما هي تعديد نعمة فيما يستحسنه البشر، لا سيما هذه الآية التي هي مخاطبة لكفار، فإنما عددت عليهم النعمة التي يعتقدونها نعمة، وباقي الآية بين.
قوله عز وجل :
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦٥ الى ٧٦]
هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧)
لما سددت الآيات صفات اللّه تعالى التي تبين فساد حال الأصنام كان من أبينها أن الأصنام موات جماد، وأنه عز وجل الحي القيوم، وصدور الأمور من لدنه، وإيجاد الأشياء وتدبير الأمر دليل قاطع على أنه حي لا إله إلا هو.
وقوله : فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كلام متصل مقتضاه : ادعوه مخلصين بالجهد، وبهذه الألفاظ قال ابن عباس : من قال لا إله إلا اللّه، فليقل على أثرها : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وقال نحو هذا سعيد بن جبير ثم قرأ هذه الآية.
ثم أمر اللّه تعالى نبيه عليه السلام أن يصدع بأنه نهي عن عبادة الأصنام التي عبدها الكفار من دون