المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٧٤
ظَلَمُوا
فذهب سيبويه رحمه اللّه إلى أن الضمير في أَسَرُّوا فاعل وأن الَّذِينَ بدل منه وقال رحمه اللّه لغة أكلوني البراغيث ليست في القرآن، وقال أبو عبيدة وغيره الواو والألف علامة أن الفاعل مجموع كالتاء في قولك قامت هند والَّذِينَ فاعل ب أَسَرُّوا وهذا على لغة من قال أكلوني البراغيث، وقالت فرقة الضمير فاعل والَّذِينَ مرتفع بفعل مقدر تقديره أسرها الذين أو قال الذين ع والوقوف على النَّجْوَى في هذا القول وفي الأول أحسن ولا يحسن في الثاني، وقالت فرقة الَّذِينَ مرتفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هم الذين ظلموا، والوقف مع هذا حسن، وقالت فرقة الَّذِينَ في موضع نصب بفعل تقديره أعني الذين، وقالت فرقة الَّذِينَ في موضع خفض بدل من «الناس» [الأنبياء : ١] ع وهذه أقوال ضعيفة ومعنى أَسَرُّوا النَّجْوَى تكلموا بينهم في السر والمناجاة بعضهم لبعض، وقال أبو عبيدة أَسَرُّوا أظهروا وهو من الأضداد، ثم بين تعالى الأمر الذي يتناجون به وهو قول بعضهم لبعض هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، ثم قال بعضهم لبعض على جهة التوبيخ في الجهالة أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ أي ما يقول شبهوه بالسحر، المعنى أفتتبعون السحر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أي تدركون أنه سحر وتعلمون ذلك، كأنهم قالوا تضلون على بينة ومعرفة، ثم أمر اللّه تعالى نبيه أن يقول لهم وللناس جميعا قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي يعلم أقوالكم هذه وهو بالمرصاد في المجازاة عليها.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «قل ربي»، وقرأ حمزة والكسائي «قال ربي يعلم» على معنى الخبر عن نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم، واختلف عن عاصم، قال الطبري رحمه وهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الإهماز.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥ الى ٨]
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨)
لما اقتضت الآية التي قبل هذه أنهم قالوا إن ما عنده سحر، عدد اللّه في هذه جميع ما قالته طوائفهم ووقع الإضراب بكل مقالة عن المتقدمة لها ليتبين اضطراب أمرهم، فهو إضراب عن جحد متقدم لأن الثاني ليس بحقيقة في نفسه، و«الأضغاث» الأخلاط وأصل الضغث القبضة المختلطة من العشب والحشيش، فشبه تخليط الحلم بذلك، وهو ما لا يتفسر ولا يتحصل، ثم حكى من قال قول شاعر وهي مقالة فرقة عامية منهم لأن نبلاء العرب لم يخف عليهم بالبديهة أن مباني القرآن ليست مباني شعر ثم حكى اقتراحهم وتمنيهم آية تضطرهم وتكون في غاية الوضوح كناقة صالح وغيرها، وقولهم كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ دال على معرفتهم بإتيان الرسل الأمم المتقدمة. وقوله تعالى : ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مقدرا كلام يدل عليه المعنى، تقديره والآية التي طلبوا عادتنا أن القوم إن كفروا بها عاجلناهم. وما آمنت قرية من القرى التي نزلت بها هذه النازلة أفهذه كانت تؤمن وقوله تعالى : أَهْلَكْناها جملة في موضع الصفة ل قَرْيَةٍ


الصفحة التالية
Icon