المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٧٧
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٧ الى ١٨]
لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨)
ظاهر هذه الآية الرد على من قال من الكفار أمر مريم وما ضارعه من الكفر تعالى اللّه عن قول المبطلين، و«اللهو» في هذه الآية المرأة وروي أنها في بعض لغات العرب تقع على الزوجة، وأَنْ في قوله إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ يحتمل أن تكون الشرطية بمعنى لو كنا أي ولسنا كذلك، وللمتكلمين هنا اعتراض وانفصال ويحتمل أن تكون نافية بمعنى ما وكل هذا قد قيل، و«الحق» عام في القرآن والرسالة والشرع وكل ما هو حق، والْباطِلِ أيضا عام كذلك ويدمغه معناه يصيب دماغه وذلك مهلك في البشر فكذلك الحق يهلك الباطل، والْوَيْلُ الخزي والهم وقيل هو اسم واد في جهنم فهو المراد في هذه الآية وهذه مخاطبة للكفار الذين وصفوا اللّه تعالى بما لا يجوز عليه ولا يليق به تعالى اللّه عن قولهم.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)
قوله تعالى : وَلَهُ يحتمل أن يكون ابتداء كلام يحتمل أن يكون معادلا لقوله وَلَكُمُ الْوَيْلُ [الأنبياء : ١٨] كأنه تقسيم الأمر في نفسه أي للمختلقين هذه المقالة الويل وللّه تعالى مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ واللام في لَهُ لام الملك، وقوله تعالى : مَنْ فِي السَّماواتِ يعم الملائكة والنبيين وغيرهم، ثم خصص من هذا العموم من أراد تشريفه من الملائكة بقوله تعالى : وَمَنْ عِنْدَهُ لأن «عند» هنا ليست في المسافات إنما هي تشريف في المنزلة فوصفهم تعالى بأنهم لا يَسْتَكْبِرُونَ عن عبادة اللّه ولا يسأمونها ولا يكلون فيها. والحسير من الإبل المعيي ومنه قول الشاعر :[الطويل ].
لهن الوجى لم يكن عونا على النوى ولا كان منها طالع وحسير
وحسر واستحسر بمعنى واحد، وهذا موجود في كثير من الأفعال وإن كان الباب في استفعل أن يكون لطلب الشيء، وقوله تعالى : لا يَفْتُرُونَ، روي عن كعب الأحبار أنه قال جعل اللّه التسبيح كالنفس وطرف العين للبشر منهم دائبا دون أن يلحقهم فيه سآمة، وقال قتادة ذكر لنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ قال «أ تسمعون ما أسمع» قالوا : ما نسمع من شيء يا رسول اللّه، قال «إني لأسمع أطيط السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع راحة إلا وفيه ملك ساجد أو قائم».
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)


الصفحة التالية
Icon