المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٨٠
سبعا، وعلى هذين القولين ف «الرؤية» الموقف عليها رؤية القلب، وقالت فرقة السماء قبل المطر رتق والأرض قبل النبات رتق ففتقهما تعالى بالمطر والنبات، كما قال اللّه تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ [الطارق : ١١ - ١٢] وهذا قول حسن يجمع العبرة وتعديد النعمة والحجة بمحسوس بين ويناسب قوله وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أي من الماء الذي أوجده الفتق فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار، وقالت فرقة السماء والأرض رتق بالظلمة وفتقهما اللّه تعالى بالضوء ع و«الرؤية» على هذين القولين رؤية العين، والْأَرْضَ هنا اسم الجنس فهي جمع، وقرأ الجمهور «رتقا» بسكون التاء، والرتق مصدر وصف به كالزور والعدل، وقرأ الحسن والثقفي وأبو حيوة «كانتا رتقا» بفتح التاء وهو اسم المرتوق كالنفض والنفض والخبط والخبط وقال كانتا من حيث هما نوعان ونحوه قول عمرو بن شيم. ألم يحزنك أن جبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا.
وقوله كانَتا في القولين الأولين بمنزلة قولك كان زيد حيا، أي لم يكن، وفي القولين الآخرين بمنزلة قولك كان زيدا عالما أي وهو كذلك، وقرأ ابن كثير وحده «ألم ير» بإسقاط الواو. وقوله وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ بين أنه ليس على عموم فإن الملائكة والجن قد خرجوا عن ذلك، ولكن الوجه أن يحمل على أعم ما يمكن فالحيوان أجمع والنبات على أن الحياة فيه مستعارة داخل في هذا، وقالت فرقة المراد ب «الماء» المني في جميع الحيوان، ثم وقفهم على ترك الإيمان توبيخا وتقريعا.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)
«الرواسي» جمع راسية أي ثابتة يقال رسا يرسو إذا ثبت واستقر ولا يستعمل إلا في الأجرام الكبار كالجبال والسفينة ونحوه، ويروى أن الأرض كانت تكفأ بأهلها حتى ثقلها اللّه تعالى بالجبال فاستقرت، و«الميد» التحرك، و«الفجاج» الطرق المتسعة في الجبال وغيرها، وسُبُلًا جمع سبيل، والضمير في قوله تعالى : فِيها يحتمل أن يعود على الرواسي ويحتمل أن يعود على الْأَرْضِ وهو أحسن، ويَهْتَدُونَ معناه في مسالكهم وتصرفهم، و«السقف» ما علا، و«الحفظ» هنا عام في الحفظ من الشياطين ومن الرمي وغير ذلك من الآفات، وآياتِها كواكبها وأمطارها، والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك مما يشبه، وقرأت فرقة «و هم عن آيتها» بالإفراد الذي يراد به الجنس، و«الفلك» الجسم الدائر دورة اليوم والليلة فالكل في ذلك سابح متصرف، وعن بعض المفسرين أن الكلام فيما هو الفلك فقال بعضهم كحديد الرحى، وقال بعضهم كالطاحونة مما لا ينبغي التسور عليه، غير أنا نعرف أن الفلك جسم يستدير.
ويَسْبَحُونَ معناه يتصرفون، وقالت فرقة «الفلك» موج مكفوف ورأوا قوله يَسْبَحُونَ من السباحة وهو العوم.