المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٨٤
الجاهلين به قل لهم على جهة التوبيخ والتقريع من يحفظكم، و«كلأ» معناه حفظ ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لبلال «اكلأ لنا الفجر» وفي آخر الكلام تقدير محذوف كأنه قال ليس لهم مانع ولا كالىء وعلى هذا النفي تركبت بَلْ في قوله بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ثم يقضي عليهم التقدير في أنه لا مانع لهم من اللّه بأن كشف أمر آلهتهم والمعنى أيظنون أن آلهتهم التي هي بهذه الصفة تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا بل ما يمنعهم أحد إلا نحن، وقوله تعالى : وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ يحتمل تأويلين أحدهما يجارون ويمنعون، والآخر وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ بخير ولا تزكية ونحو هذا، وفي الكلام تقدير بعد محذوف كأنه قال ليس ثم شيء من هذا كله بل ضل هؤلاء لأنا متعناهم ومتعنا آباءهم فنسوا عقاب اللّه وظنوا أن حالهم لا تبيد والمعنى طالَ الْعُمُرُ في رخاء ثم وقفهم اللّه تعالى على مواضع العبر في الأمم وفي البشر بحسب الخلاف والأطراف، والرؤية في قوله يَرَوْنَ رؤية العين تتبعها رؤية القلب، ونَأْتِي معناه بالقدرة والبأس، والْأَرْضَ عامة في الجنس. وقوله مِنْ أَطْرافِها إما أن يريد فيما يخرب من المعمور فذلك نقص للأرض وإما أن يريد موت البشر فهو تنقص للقرون ويكون المراد حينئذ نأتي أهل الأرض، وقال قوم النقص من الأطراف موت العلماء ثم وقفهم على جهة التوبيخ أهم يعلمون من غلب أهل الأرض قهر الكل بسلطانه وعظمته أي إن ذلك محال بين بل هم مغلوبون مقهورون.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦)
المعنى قُلْ أيها المقترحون المتشططون إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بوحي يوحيه اللّه إلى وبدلالات على العبر التي نصبها اللّه تعالى لينظر فيها كنقصان الأرض من أطرافها وغيره ولم أبعث بآية مضطرة ولا ما تقترحون، ثم قال وَلا يَسْمَعُ بمعنى وأنتم معرضون عما أنذر به فهو غير نافع لكم ومثل أمرهم ب الصُّمُّ، وقرأ جمهور القراء «و لا يسمع» بالياء وإسناد الفعل إلى الصّم وقرأ ابن عامر وحده «و لا تسمع» بضم التاء وكسر الميم ونصب «الصمّ»، وقرأت فرقة «و لا تسمع» بتاء مضمومة وفتح الميم وبناء الفعل للمفعول والفرقتان نصبت الدُّعاءَ، وقرأت فرقة «و لا يسمع الصم الدعاء» بإضافة «الصم» إلى «الدعاء» وهي قراءة ضعيفة وإن كانت متوجهة، ثم خاطب تعالى محمدا صلى اللّه عليه وسلم متوعدا لهم بقوله وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ، والنفحة الخطرة والمسة كما تقول نفح بيده إذا قال بها هكذا ضاربا إلى جهة، ومنه نفحة الطيب كأنه يخطر خطرات على الحاسة، ومنه نفح له من عطايا إذا أجراه منها نصيبا، ومنه نفح الفرس برجله إذا ركض، والمعنى ولئن مس هؤلاء الكفرة صدمة عذاب في دنياهم ليندمن وليقرن بظلمهم.
قوله عز وجل :


الصفحة التالية
Icon