المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٨٧
لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ
[الأنبياء : ٥٧] واختلف في وجه رفع قوله إِبْراهِيمُ فقالت فرقة هو مرتفع بتقدير النداء كأنهم أرادوا الذي يقال له عند ما يدعى يا إبراهيم، وقالت فرقة رفعة على إضمار الابتداء تقديره هو إبراهيم.
قال القاضي أبو محمد : والأول أرجح، وقال الأستاذ أبو الحجاج الإشبيلي الأعلم هو رفع على الإهمال ع لما رأى وجوه الرفع كأنها لا توضح المعنى الذي قصدوه ذهب إلى رفعه بغير شيء كما قد يرفع التجرد والعرو عن العوامل الابتداء ع والوجه عندي أنه مفعول لم يسم فاعله على أن يجعل إبراهيم غير دال على الشخص بل تجعل النطق به دالا على بناء هذه اللفظة وهذا كما تقول زيد وزن فعل أو زيد ثلاثة أحرف فلم تدخل بوجه على الشخص بل دللت بنطقك على نفس اللفظة وعلى هذه الطريقة تقول قلت إبراهيم ويكون مفعولا صحيحا أنزلته منزلة قول وكلام فلا يتعذر بعد ذلك أن بني الفعل للمفعول، وقوله عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ يريد في الحفل وبمحضر الجمهور، وقوله يَشْهَدُونَ يحتمل أن يراد به الشهادة عليه يريدون بفعله أو بقوله لَأَكِيدَنَّ [الأنبياء : ٥٧] ويحتمل أن يريد به المشاهدة أي يشاهدون عقوبته أو غلبته المؤدية إلى عقوبته، المعنى فجاء إبراهيم حين أوتي به فقالوا له أنت فعلت هذا بالآلهة فقال لهم إبراهيم عليه السلام بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا على معنى الاحتجاج عليهم أي إنه غار من أن يعبد وتعبد الصغار معه ففعل هذا بها لذلك، وقالت فرقة هي الأكثر إن هذا الكلام قاله إبراهيم عليه السلام لأنها كذبة في ذات اللّه تؤدي إلى خزي قوم كافرين والحديث الصحيح يقتضي ذلك وهو قول النبي صلى اللّه عليه وسلم، «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : قوله إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات : ٨٩] وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا وقوله للملك هي أختي» ثم تطرق إلى موضع خزيهم بقوله فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ على جهة التوقيف ع وذهبت فرقة إلى نفي الكذب عن هذه المقالات، وقالت فرقة معنى قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «لم يكذب إبراهيم» أي لم يقل كلاما ظاهره الكذب أو يشبه الكذب وذهبت إلى تخريج هذه المقالات فخرجت هذه الآية على معنى أنه أراد
تعليق فعل الكبير بنطق الآخرين كأنه قال بل هو الفاعل إن نطق هؤلاء ولم يخرج الخبر، على أن الكبير فعل ذلك، وفي الكلام تقديم على هذا التأويل في قوله فَسْئَلُوهُمْ وذهب الفراء إلى جهة أخرى بأن قال قوله فَعَلَهُ ليس من الفعل وإنما هو فلعله على جهة التوقع حذف اللام على قولهم عله بمعنى لعله ثم خففت اللام ع وهذا تكلف.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٤ الى ٧٠]
فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨)
قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠)