المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٨٩
وصورة بقائه ما رأيت اختصاره لقلة صحته، والصحيح من ذلك أنه ألقي في النار فجعلها اللّه تعالى عليه بَرْداً وَسَلاماً فخرج منها سالما وكانت أعظم آية.
وروي أنهم قالوا إنها نار مسحورة لا تحرق فرموا فيها شيخا منهم فاحترق.
وروي أن العيدان أينعت وأثمرت له هنالك ثمارها التي كانت أصولها، وقوله وَسَلاماً معناه وسلامة، وقال بعضهم هي تحية من اللّه تعالى لإبراهيم (ع) : وهذا ضعيف وكان الوجه أن يكون مرفوعا، و«الكيد» هو ما أرادوه من حرقه وكانوا في خسارة من كفرهم وغلبته لهم وحرق الشيخ الذي جربوا به النار.
وروي أن الملك بنى بناء واطلع منه على النار فرأى إبراهيم عليه السلام ومعه ناس فعجب وسأل هل طرح معه أحد فقيل له فناداه فقال من أولئك فقال هم ملائكة ربي ع والمروي في هذا كثير غير صحيح.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣)
روي أن إبراهيم عليه السلام لما أخرج من النار أحضره النمرود وكلمه ثم ختم اللّه عليه بالكفر فلج وقال لإبراهيم في بعض قوله يا إبراهيم أين جنود ربك الذي تزعم، فقال له سيريك فعل أضعف جنوده، فبعث اللّه تعالى على نمرود وأصحابه سحابة من بعوض، فأكلتهم عن آخرهم ودوابهم حتى كانت العظام تلوح بيضا، ودخلت منها بعوضة في رأس نمرود فكان رأسه يضرب بالعيدان ودام يعذبه بها زمانا طويلا وهلك منها وخرج إبراهيم عليه السلام وابن أخيه لوط من تلك الأرض مهاجرين وهي كوثا من العراق ومع إبراهيم ابنة عمه سارة زوجته، وفي تلك السفرة لقي الجبار الذي رام أخذها منه واختلف الناس في الْأَرْضِ التي بورك فيها ولجأ إليها إبراهيم ولوط عليهما السلام، فقالت فرقة هي مكة وذكروا قول اللّه تعالى : لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً [آل عمران : ٩٦] وقال الجمهور من أرض الشام وهي الأرض التي بارك فيها أما من جهة الآخرة فبالنبوءة وأما من جهة الدنيا ففي أطيب بلاد اللّه أرضا وأعذبها ماء وأكثرها ثمرة ونعمة وهو الموضع المعروف بسكنى إبراهيم وعقبه.
وروي أنه ليس في الأرض ماء عذب إلا وأصله وخروجه من تحت صخرة بيت المقدس ع وهذا ضعيف وهي أرض المحشر وبها مجمع الناس وبها ينزل عيسى ابن مريم وبها يهلك المسيح الدجال.
وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال يوما في خطبته : إنه كان بالشام جند وبالعراق جند وباليمن جند فقال رجل يا رسول اللّه خر لي فقال عليك بالشام فإن اللّه تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله فمن بقي فليلحق مأمنه وليس بعدره، وقال عمر لكعب الأحبار ألا تتحول إلى المدينة، فقال يا أمير المؤمنين إني أجد في كتاب اللّه تعالى المنزل أن الشام كنز اللّه من أرضه وبها كنزه من عباده.