المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٩٢
المعنى، وإذا قال عالم في أمر ما حلال فذلك هو الحق فيما يخص بذلك العالم عند اللّه تعالى وبكل من أخذ بقوله
، فأما من قال إن الحق في طرف فرأى مسألة داود وسليمان مطردة على قوله وأن سليمان صادف العين المطلوبة وهي التي فهم، ومن رأى الحق في الطرفين رأى أن سليمان عليه السلام فهم القضية المثلى والتي هي أرجح، لا أن الأولى خطأ وعلى هذا يحملون قول النبي صلى اللّه عليه وسلم، «إذا اجتهد العالم فأخطأ» أي فأخطأ الأفضل ع وكثير ما يكون بين الأقوال في هذه المسائل قليل تباين إلا أن ذلك الشفوف يشرف القول، وكثيرا ما يبين الفضل بين القولين بأدنى نظر ومسائل الفروع تخالف مسائل الأصول في هذا ومسألة المجتهدين في نفسها مسألة أصل، والفرق بين مسائل الفروع ومسائل الأصول أن مسائل الأصول الكلام فيها إنما هو في وجود شيء ما كيف هو كقولنا يرى اللّه تعالى يوم القيامة، وقالت المعتزلة لا يرى، وكقولنا اللّه واحد، وقالت النصارى ثلاثة، وهكذا هل للمسائل عين أو ليس لها عين مطلوبة.
ومسائل الفروع إنما الكلام فيها على شيء متقرر الوجود كيف حكمه من تحليل أو تحريم ونحو هذا، والأحكام خارجة عن ذات وجوده وإنما هي بمقاييس واستدلالات، وتعتبر مسائل الفروع بأنها كل ما يمكن أن ينسخ بعضه ببعض ومسائل الأصول ما لو تقرر الوجه الواحد لم يصح أن يطرأ الآخر ناسخا عليه.
قال القاضي أبو محمد : ومسألة الاجتهاد طويلة متشعبة إلا أن هذه النبذة تليق بالآية ويقتضيها حرصنا على الإيجاز، ويتعلق بالآية فصل آخر لا بد من ذكره وهو رجوع الحاكم بعد قضاء من اجتهاد إلى اجتهاد آخر أرجح من الأول، فإن داود عليه السلام، فعل ذلك في هذه النازلة، واختلف فقهاء المذهب المالكي في القاضي يحكم في قضية ثم يرى بعد ذلك أن غير ما حكم به أصوب فيريد أن ينقض الأول ويقضي بالثاني، فقال عبد الملك ومطرف في الواضحة ذلك له ما دام في ولايته، فأما إن كانت ولاية أخرى فليس ذلك له وهو بمنزلة غيره من القضاة، وهذا هو ظاهر قول مالك رحمه اللّه في المدونة، وقال سحنون في رجوعه من اجتهاد فيه قول إلى غيره مما رآه أصوب ليس ذلك له وقاله ابن عبد الحكم قالا ويستأنف الحكم بما قوي عنده أحرى من ذي قبل، قال سحنون إلا أن يكون نسي الأقوى عنده أو وهم فحكم بغيره فله نقضه، وأما إن حكم بحكم وهو الأقوى عنده في ذلك الوقت ثم قوي عنده غيره بعد ذلك فلا سبيل له إلى نقض الأول، قال سحنون في كتاب ابنه وقال أشهب في كتاب ابن المواز إن كان رجوعه إلى الأصوب في مال فله نقض الأول وإن كان في طلاق أو نكاح أو عتق فليس له نقضه، وقد تقدم القول في الْحَرْثِ روت فرقة أنه كان زرعا وروت فرقة أنه كان كرما.
و«النفش» تسرب البهائم في الزرع وغيرها بالليل والهمل تسربها في ذلك بالنهار والليل، قال ابن سيده لا يقال الهمل في الغنم وإنما هو في الإبل ومضى الحكم في الإسلام بتضمين أرباب النعم ما أفسدت بالليل لأن على أهلها أن يثقفوها وعلى أهل الزرع وغيرهم حفظها بالنهار هذا هو مقتضى الحديث في ناقة البراء بن عازب وهو مذهب مالك وجمهور الأمة، ووقع في كتاب ابن سحنون أن الحديث إنما جاء في أمثال المدينة التي هي حيطان محدقة، وأما البلاد التي هي زروع متصلة غير محظرة وبساتين كذلك فيضمن أرباب الغنم ما أفسدت من ليل أو نهار ع كأنه ذهب إلى أن ترك تثقيف الحيوان في مثل هذه البلاد بعيد لأنها ولا بد تفسد وقال أبو حنيفة في ذلك لا ضمان وأدخله في


الصفحة التالية
Icon