المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٩٩
قوله، وَحَرامٌ إلى آخر الآية فتأمل الوعيد فيها على كل قول تذكرة فإنه بين، و«الكفران» مصدر كالكفر ومنه قول الشاعر :[الطويل ]
رأيت أناسا لا تنام جدودهم وجدي ولا كفران للّه نائم
واختلف القراء في قوله تعالى وَحَرامٌ، فقرأ عكرمة وغيره «و حرم» بفتح الحاء وكسر الراء، وقرأ جمهور السبعة و«حرام»، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم، و«حرم» بكسر الحاء وسكون الراء، وقرأ ابن العباس بخلاف عنه «و حرم» بفتح الحاء وسكون الراء، وقرأت فرقة «و حرّم» بفتح الحاء وشد الراء، وقرأت فرقة «و حرّم» بضم الحاء وكسر وشدها، وقرأ قتادة ومطر الوارق «و حرم» بفتح الحاء وضم الراء، والمستفيض من هذه القراءات قراءة من قرأ و«حرم»، وقراءة من قرأ و«حرام» وهما مصدران بمعنى نحو الحل والحلال، فأما معنى الآية فقالت فرقة «حرام وحرم» معناه جزم وحتم فالمعنى وحتم عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ إلى الدنيا فيتوبون ويستعتبون بل هم صائرون إلى العقاب، وقال بعض هذه الفرقة الإهلاك هو بالطبع على القلوب ونحوه والرجوع هو إلى التوبة والإيمان، وقالت فرقة المعنى وَحَرامٌ أي ممتنع، و«حرم» كذلك، عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ وقالوا لا زائدة في الكلام واختلفوا في الإهلاك والرجوع بحسب القولين المذكورين، قال أبو علي يحتمل أن يرتفع «حرام» بالابتداء والخبر رجوعهم ولا زائدة، ويحتمل أن يرتفع «حرام» على خبر الابتداء كأنه قال والإقالة والتوبة «حرام» ثم يكون التقدير «بأنهم لا يرجعون» فتكون لا على بابها كأنه قال هذا عليهم ممتنع بسبب كذا فالتحريم في الآية بالجملة ليس كتحريم الشرع الذي إن شاء المنهي ركبه.
قال القاضي أبو محمد : ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين أن لا يرجعون بل هم راجعون إلى عقاب اللّه وأليم عذابه فتكون لا على بابها والحرام على بابه وكذلك الحرم فتأمله.
قوله عز وجل :
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧)
تحتمل حَتَّى في هذه الآية أن تكون متعلقة بقوله وَتَقَطَّعُوا [الأنبياء : ٩٣] وتحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق ب يَرْجِعُونَ [الأنبياء : ٩٥] وتحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب إِذا لأنها تقتضي جوابا وهو المقصود ذكره، واختلف هنا في الجواب، فقالت فرقة الجواب قوله اقْتَرَبَ الْوَعْدُ