المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٠٣
منقوطة من فوق مضمومة «مساكنهم» رفعا، ورويت عن ابن عامر، وهذا نحو قول ذي الرمة :[البسيط]
كأنه جمل وهم وما بقيت إلا النجيزة والألواح والعصب
ونحو قوله :[الطويل ] فما بقيت إلا الضلوع الجراشع وفي هذه القراءة استكراه. وقرأ الأعمش وعيسى الهمداني :«إلا مسكنهم» على الإفراد الذي هو اسم الجنس، والجمهور على الجمع في اللفظة، ووجه الإفراد تصغير الشأن وتقريبه كما قال تعالى : ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غافر : ٦٧].
ثم خاطب تعالى قريشا على جهة الموعظة بقوله : وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ف (ما)، بمعنى الذي، وإِنْ نافية وقعت مكان (ما) ليختلف اللفظ، ولا تتصل (ما) ب (ما)، لأن الكلام كأنه قال : في الذي ما مكناكم فيه. ومعنى الآية : ولقد أعطيناهم من القوة والغنى والبسيط في الأموال والأجسام ما لم نعطكم، ونالهم بسبب كفرهم هذا العذاب، فأنتم أحرى بذلك إذا كفرتم. وقالت فرقة : إِنْ شرطية، والجواب محذوف تقديره : في الذي إن مكناكم فيه طغيتم، وهذا تنطع في التأويل.
ثم عدد تعالى عليهم نعم الحواس والإدراك، وأخبر أنها لم تغن حين لم تستعمل على ما يجب.
و«ما» : نافية في قوله : فَما أَغْنى عَنْهُمْ ويقوي ذلك دخول مِنْ في قوله : مِنْ شَيْ ءٍ.
وقالت فرقة :«ما» في قوله : فَما أَغْنى عَنْهُمْ استفهام بمعنى التقرير، ومِنْ شَيْءٍ على هذا تأكيد، وهذا على غير مذهب سيبويه في دخول من في الواجب. وَحاقَ معناه : وجب ولزم، وهو مستعمل في المكاره، والمعنى جزاء ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
قوله عز وجل :
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)
وقوله : وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مخاطبة لقريش على جهة التمثيل لهم بمأرب وسدوم وحجر ثمود. وقوله : وَصَرَّفْنَا الْآياتِ يعني لهذه القرى المهلكة.
وقوله : فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الآية يعني هلا نصرتهم أصنامهم التي اتخذوها. و: قُرْباناً إما أن يكون المفعول الثاني ب اتَّخَذُوا و: آلِهَةً بدل منه، وإما أن يكون حالا. و: آلِهَةً المفعول الثاني، والمفعول الأول هو الضمير العائد على : الَّذِينَ التقدير : اتخذوهم. وقوله تعالى : بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ


الصفحة التالية
Icon