المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١١٤
على قصة واضحة وعقيدة نيرة بينة، ويحتمل أن يكون المعنى على أمر بين ودين بين، وألحق الهاء للمبالغة : كعلامة ونسابة. والذي يسند إليه قوله : زُيِّنَ الشيطان. واتباع الأهواء : طاعتها كأنها تذهب إلى ناحية والمرء يذهب معها.
واختلف الناس في قوله تعالى : مَثَلُ الْجَنَّةِ الآية، فقال النضر بن شميل وغيره : مَثَلُ معناه صفة، كأنه قال صفة الجنة ما تسمعون فيها كذا وكذا، وقال سيبويه : المعنى فيما يتلى عليكم مثل الجنة.
ثم فسر ذلك الذي يتلى بقوله : فيها كذا وكذا.
قال القاضي أبو محمد : والذي ساق أن يجعل مَثَلُ بمثابة صفة هو أن الممثل به ليس في الآية، ويظهر أن القصد في التمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه فيها كذا وكذا فإنه يتصور عند ذلك بقاعا على هذه الصورة وذلك هي مَثَلُ الْجَنَّةِ ومثالها، وفي الكلام حذف يقتضيه الظاهر، كأنه يقول : مَثَلُ الْجَنَّةِ ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف. وقرأ علي بن أبي طالب :«مثال الجنة».
وقرأ علي بن أبي طالب أيضا وابن عباس :«أمثال الجنة». وعلى هذه التأويلات كلها ففي قوله : كَمَنْ هُوَ خالِدٌ حذف تقديره : أساكن هذه، أو تقديره : أهؤلاء إشارة إلى المتقين، ويحتمل عندي أيضا أن يكون الحذف في صدر الآية. كأنه قال : أمثل أهل الجنة كَمَنْ هُوَ خالِدٌ، ويكون قوله : مَثَلُ مستفهما عنه بغير ألف الاستفهام، فالمعنى : أمثل أهل الجنة، وهي بهذه الأوصاف كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ فتكون الكاف في قوله : كَمَنْ مؤكدة في التشبيه، ويجيء قوله : فِيها أَنْهارٌ في موضع الحال على هذا التأويل. وماءٍ غَيْرِ آسِنٍ معناه غير متغير، قاله ابن عباس وقتادة، وسواء أنتن أو لم ينتن، يقال : أسن الماء : بفتح السين، وأسن بكسرها.
وقرأ جمهور القراء :«آسن» على وزن فاعل. وقرأ ابن كثير :«أسن»، على وزن فعل، وهي قراءة أهل مكة، والأسن أيضا هو الذي يخشى عليه من ريح منتنة من ماء، ومنه قول الشاعر :
التارك القرن مصرا أنامله يميل في الرمح ميل المائح الأسن
وقال الأخفش : آسِنٍ لغة : والمعنى الإخبار به عن الحال، ومن قال :«آسن» على وزن فاعل، فهو يريد به أن يكون كذلك في المستقبل فنفى ذلك في الآية. وقرأت فرقة :«غير يسن»، بالياء. قال أبو علي : وذلك على تخفيف الهمزة، قال أبو حاتم عن عوف : كذلك كانت في المصحف :«يسن»، فغيرها الحجاج.
وقوله : في اللبن لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ نفي لجميع وجوه الفساد في اللبن وقوله : لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ جمعت طيب المطعم وزوال الآفات من الصداع وغيره ولَذَّةٍ نعت على النسب، أي ذات لذة. وتصفية العسل مذهبة لمومه وضرره. وقوله : مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أي من هذه الأنواع، لكنها بعيدة الشبه، إذ تلك لا عيب فيها ولا تعب بوجه. وقوله : وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ معناه : وتنعيم أعطته المغفرة وسببته، فالمغفرة إنما هي قبل الجنة، وقوله : وَسُقُوا الضمير عائد على «من» لأن المراد به جمع.
وقوله تعالى : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ يعني بذلك المنافقين من أهل المدينة، وذلك أنهم كانوا