المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٢٦
قال القاضي أبو محمد : وفيه نظر، لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب شاركوهم في القسم، فينبغي أن يقال لم يشاركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم، فكانت من جملة الفتح على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمى من الكفر.
ثم عظم اللّه أمر نبيه بأن نبأه أنه غفر له ما تَقَدَّمَ من ذنبه وَما تَأَخَّرَ، فقوله : لِيَغْفِرَ هي لام كي، لكنها تخالفها في المعنى والمراد هنا أن اللّه فتح لك لكي يجعل ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك، فكأنها لام صيرورة، ولهذا قال عليه السلام :«لقد أنزلت عليّ الليلة سورة هي أحب إليّ من الدنيا». وقال الطبري وابن كيسان المعنى : إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فسبح بحمد ربك واستغفره ليغفر لك، وبنيا هذه الآية مع قوله تعالى : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر : ١] السورة إلى آخرها.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف من وجهين أحدهما : أن سورة، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر : ١] إنما نزلت من آخر مدة النبي عليه السلام ناعية له نفسه حسبما قال ابن عباس عند ما سأل عمر عن ذلك. والآخر : أن تخصيص النبي عليه السلام بالتشريف كان يذهب، لأن كل أحد من المؤمنين هو مخاطب بهذا الذي قال الطبري، أي سبح واستغفر لكي يغفر اللّه، ولا يتضمن هذا أن الغفران قد وقع، وما قدمناه أولا يقتضي وقوع الغفران للنبي عليه السلام، ويدل على ذلك قول الصحابة له حين قام حتى تورمت قدماه : أتفعل هذا يا رسول اللّه وقد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال :«أفلا أكون عبدا شكورا» فهذا نص في أن الغفران قد وقع. وقال منذر بن سعيد المعنى : مجاهدتك باللّه المقترنة بالفتح هي ليغفر. وحكى الثعلبي عن الحسن بن الفضل أن المعنى : إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات لِيَغْفِرَ لَكَ الآية، وهذا نحو قول الطبري.
وقوله : ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ قال سفيان الثوري : ما تَقَدَّمَ يريد قبل النبوءة. وَما تَأَخَّرَ كل شيء لم تعلمه وهذا ضعيف، وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب البتة، وأجمع العلماء على عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل، وجوز بعضهم الصغائر التي ليست برذائل، واختلفوا هل وقع ذلك من محمد عليه السلام أو لم يقع، وحكى الثعلبي عن عطاء الخراساني أنه قال : ما تَقَدَّمَ هو ذنب آدم وحواء، أي ببركتك وَما تَأَخَّرَ هي ذنوب أمتك بدعائك. قال الثعلبي : الإمامية لا تجوز الصغائر على النبي ولا على الإمام، والآية ترد عليهم. وقال بعضهم : وما تَقَدَّمَ هو قوله يوم بدر :«اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد». وَما تَأَخَّرَ هو قوله يوم حنين :«لن نغلب اليوم من قلة».
قال القاضي أبو محمد : وإتمام النعمة عليه، هو إظهاره وتغلبه على عدوه والرضوان في الآخرة.
وقوله تعالى : وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً معناه : إلى صراط، فحذف الجار فتعدى الفعل، وقد يتعدى هذا بغير حرف جر، والنصر العزيز : هو الذي معه غلبة العدو والظهور عليه، والنصر غير العزيز : هو الذي مضمنه الحماية ودفع العدو فقط. وإنزال السكينة في قلوب المؤمنين : وهي فعلية من السكون هو


الصفحة التالية
Icon