المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٢٨
جمهور القراء :«دائرة السوء» كالأول، ورجحها الفراء، وقال : قل ما تضم العرب السين. قال أبو علي :
هما متقاربان، والفتح أشد مطابقة في اللفظ. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو :«ظن السوء» بفتح السين.
و: «دائرة السوء» بضم السين، وهو اسم، أي «دائرة السوء» الذي أرادوه بكم في ظنهم السوء. وقرأ الحسن : بضم السين في الموضعين، وروى ذلك عن أبي عمرو ومجاهد، وسمى المصيبة التي دعا بها عليهم : دائِرَةُ، من حيث يقال في الزمان إنه يستدير، ألا ترى أن السنة والشهر كأنها مستديرات، تذهب على ترتيب، وتجيء من حيث هي تقديرات للحركة العظمى، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السماوات والأرض» فيقال الأقدار والحوادث التي هي في طي الزمان دائرة، لأنها تدور بدوران الزمان، كأنك تقول : إن أمرا كذا يكون في يوم كذا من سنة كذا، فمن حيث يدور ذلك اليوم حتى يبرز إلى الوجود تدور هي أيضا فيه، وقد قالوا : أربعاء لا تدور، ومن هذا قول الشاعر :
[الرجز] ودائرات الدهر قد تدور ومنه قول الآخر :[الطويل ] ويعلم أن النائبات تدور وهذا كثير ويحسن أن تسمى المصيبة دائرة من حيث كمالها أن تحيط بصاحبها كما يحيط شكل الدائرة على السواء من النقطة، وقد أشار النقاش إلى هذا المعنى وَغَضِبَ اللَّهُ تعالى متى قصد به الإرادة فهو صفة ذات، ومتى قصد به ما يظهر من الأفعال على المغضوب عليه فهي صفة فعل. وَلَعَنَهُمْ معناه :
أبعدهم من رحمته، وقال تعالى في هذه وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً فذكر صفة العزة من حيث تقدم الانتقام من الكفار، وفي التي قبل قرن بالحكمة والعلم من حيث وعده بمغيبات، وقرن باللفظتين ذكر جنود اللّه تعالى التي منها السكينة ومنها نقمة من المنافقين والمشركين، فلكل لفظ وجه من المعنى، وقال ابن المبارك في كتاب النقاش : جنود اللّه في السماء، الملائكة، وفي الأرض الغزاة في سبيل اللّه. قال عبد الحق : وهذا بعض من كل.
قوله عز وجل :
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٨ الى ١٠]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠)
من جعل الشاهد محصل الشهادة من يوم يحصلها، فقوله : شاهِداً حال واقعة. ومن جعل الشاهد مؤدي الشهادة، فهي حال مستقبلة. وهي التي يسميها النحاة المقدرة، المعنى : شاهِداً على الناس بأعمالهم وأقوالهم حين بلغت إليهم الشرع وَمُبَشِّراً معناه : أهل الطاعة برحمة اللّه وَنَذِيراً معناه : أهل الكفر تنذرهم من عذاب اللّه.