المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٣٠
بما عاهد عليه الله» بالرفع، على أن اللّه هو المعاهد. وقرأ حفص عن عاصم :«عليه» مضمومة الهاء، وروي ذلك عن ابن أبي إسحاق. والأجر العظيم : الجنة، لا يفنى نعيمها ولا ينقضي أمرها.
وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي والعامة :«فسيؤتيه» بالياء. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر :
«فسنؤتيه» بالنون. وفي مصحف ابن مسعود :«فسيؤتيه اللّه».
وقوله عز وجل :
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ١١ الى ١٢]
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢)
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ قال مجاهد وغيره : هم جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من القبائل، فإنهم في خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عمرته عام الحديبية رأوا أنه يستقبل عدوا عظيما من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة، وهم الأحابيش، ولم يكن تمكن إيمان أولئك الأعراب المجاورين للمدينة فقعدوا عن النبي عليه السلام وتخلفوا، وقالوا لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة، ففضحهم اللّه في هذه الآية، وأعلم محمد بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، فكان كذلك، قالوا : شغلتنا الأموال والأهلون فاستغفر لنا، وهذا منهم خبث وإبطال، فلذلك قال تعالى : يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قال الرماني : لا يقال أعرابي إلا لأهل البوادي خاصة، ثم قال لنبيه عليه السلام قُلْ لهم : فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءا.
وقرأ جمهور القراء :«إن أراد بكم ضرا» بفتح الضاد. وقرأ حمزة والكسائي :«ضرا» بالضم، ورجحها أبو علي وهما لغتان. وفي مصحف ابن مسعود. «إن أراد بكم سوءا». ثم رد عليهم بقوله : بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً، ثم فسر لهم العلة التي تخلفوا من أجلها بقوله : بَلْ ظَنَنْتُمْ الآية، وفي قراءة عبد اللّه :«إلى أهلهم» بغير ياء. و: بُوراً معناه : فاسدين هلكى بسبب فسادهم. والبوار :
الهلاك. وبارت السلعة، مأخوذ من هذا. وبور : يوصف به الجمع والإفراد، ومنه قول ابن الزبعرى :
[الخفيف ]
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
والبور في لغة أزد عمان : الفاسد، ومنه قول أبي الدرداء : فأصبح ما جمعوا بورا، أي فاسدا ذاهبا، ومنه قول حسان بن ثابت :
لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد يهدي الإله سبيل المعشر البور
وقال الطبري في قوله تعالى : يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ يعني به قولهم : فَاسْتَغْفِرْ