المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٣٦
قوله عز وجل :
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦)
يريد بقوله تعالى : هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا أهل مكة الذين تقدم ذكرهم. وقوله وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ هو منعهم النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه من العمرة عام الحديبية، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج من المدينة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة يريد العمرة وتعظيم البيت، وخرج معه بمائة بدنة، قاله النقاش، وقيل بسبعين، قاله المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، فلما دنا من مكة، قال أهل مكة هذا محمد الذي قد حاربنا وقتل فينا، يريد أن يدخل مكة مراغمة لنا، واللّه لا تركناه حتى نموت دون ذلك، فاجتمعوا لحربه، واستنجدوا بقبائل من العرب وهم الأحابيش وبعثوا فغوروا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المياه التي تقرب من مكة، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى نزل على بئر الحديبية، وحينئذ وضع سهمه في الماء فجرى غمرا حتى كفى الجيش، ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث إلى مكة عثمان، وبعث أهل مكة إليه رجالا منهم : عروة بن مسعود، وبديل بن ورقاء، وتوقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هناك أياما حتى سفر سهيل بن عمرو، وبه انعقد الصلح على أن ينصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنهم ويعتمر من العام القادم، فهذا كان صدهم إياه وهو مستوعب في كتب السير، فلذلك اختصرناه.
وقرأ الجمهور :«و الهدي» بسكون الدال.. وقرأ الأعرج والحسن بن أبي الحسن :«و الهديّ» بكسر الدال وشد الياء، وهما لغتان، وهو معطوف على الضمير في قوله : وَصَدُّوكُمْ أي وصدوا الهدي.
و: مَعْكُوفاً حال، ومعناه : محبوسا، تقول : عكفت الرجل عن حاجته إذا حبسته، وقد قال أبو علي :
إن عكف لا يعرفه متعديا، وحكى ابن سيده وغيره : تعديه، وهذا العكف الذي وقع للهدي كان من قبل المشركين بصدهم، ومن قبل المسلمين لرؤيتهم ونظرهم في أمرهم فحبسوا هديهم. وأَنْ في قوله :
أَنْ يَبْلُغَ يحتمل أن يعمل فيها الصد، كأنه قال : وصدوا الهدي كراهة أن أو عن أن، ويحتمل أن يعمل فيها العكف فتكون مفعولا من أجله، أي الهدي المحبوس لأجل أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، ومَحِلَّهُ مكة.
وذكر اللّه تعالى العلة في أن صرف المسلمين ولم يمكنهم من دخول مكة في تلك الوجهة، وهو أنه كان بمكة مؤمنون من رجال ونساء خفي إيمانهم، فلو استباح المسلمون بيضتها أهلكوا أولئك المؤمنين.
قال قتادة : فدفع اللّه عن المشركين ببركة أولئك المؤمنين، وقد يدفع بالمؤمنين عن الكفار.