المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٤٢
وقوله تعالى : ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ
الآية، المثل هنا الوصف أو الصفة.
وقال بعض المتأولين : التقدير الأمر ذلِكَ وتم الكلام. ثم قال : مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ. وقال مجاهد وجماعة من المتأولين : المعنى ذلِكَ الوصف هو مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ وتم القول، و: كَزَرْعٍ ابتداء تمثيل يختص بالقرآن. وقال الطبري وحكاه عن الضحاك المعنى : ذلِكَ الوصف هو مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وتم القول، ثم ابتدأ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ.
وقال آخرون : المثلان جميعا هي في التوراة وهي في الإنجيل.
وقوله تعالى : كَزَرْعٍ، هو على كل الأقوال وفي أي كتاب منزل : فرض مثل للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، في أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث وحده، فكان كالزرع حبة واحدة، ثم كثر المسلمون فهم كالشطء : وهو فراخ السنبلة التي تنبت حول الأصل، يقال : أشطأت الشجرة إذا خرجت غصونها، وأشطأ الزرع : إذا خرج شطأه.
وقرأ ابن كثير وابن ذكوان عن ابن عامر :«شطأ» بفتح الطاء والهمز دون مد، وقرأ الباقون بسكون الطاء، وقرأ عيسى بن عمر :«شطاه» بفتح الطاء دون همز، وقرأ أبو جعفر :«شطه» رمى بالهمزة وفتح الطاء، ورويت عن نافع وشيبة. وروي عن عيسى :«شطاءه» بالمد والهمز، وقرأ الجحدري :«شطوه» بالواو. قال أبو الفتح هي لغة أو بدل من الهمزة، ولا يكون الشطو إلا في البر والشعير، وهذه كلها لغات.
وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : الزرع : النبي صلى اللّه عليه وسلم، فَآزَرَهُ. علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فَاسْتَغْلَظَ بأبي بكر، فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ : بعمر بن الخطاب.
وقوله تعالى : فَآزَرَهُ وزنه : أفعله، أبو الحسن ورجحه أبو علي. وقرأ ابن ذكوان عن ابن عامر :
«فأزره» على وزن : فعله دون مد، ولذلك كله معنيان : أحدهما ساواه طولا، ومنه قول امرئ القيس :
[الطويل ]
بمحنية قد آزر الضال نبتها بجر جيوش غانمين وخيب
أي هو موضع لم يزرع فكمل نبته حتى ساوى شجر الضال، فالفاعل على هذا المعنى : الشطء والمعنى الثاني : إن آزره وأزره بمعنى : أعانه وقواه، مأخوذ ذلك من الأزر وشده، فيحتمل أن يكون الفاعل الشطء، ويحتمل أن يكون الفاعل الزرع، لأن كل واحد منهما يقوي صاحبه وقال ابن مجاهد وغيره «آزره» وزنه : فاعله، والأول أصوب أن وزنه : أفعله، ويدلك على ذلك قول الشاعر :[المنسرح ]
لا مال إلا العطاف تؤزره أم ثلاثين وابنة الجبل
وقرأ ابن كثير :«على سؤقه» بالهمز، وهي لغة ضعيفة، يهمزون الواو التي قبلها ضمة ومنه قول الشاعر [جرير] :
وجعدة إذا أضاءهما الوقود و: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ جملة في موضع الحال، وإذا أعجب الزُّرَّاعَ، فهو أحرى أن يعجب غيرهم