المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٤٩
وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة :«بين إخوانكم». وهي حسنة. لأن الأكثر من جمع الأخ في الدين ونحوه من النسب إخوان. والأكثر في جمعه من النسب إخوة وإخاء. قال الشاعر :[الطويل ]
وجدتم أخاكم دوننا إذ نسيتم وأي بني الإخاء تنبو مناسبه
وقد تتداخل هذه الجموع في كتاب اللّه. فمنه : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ أو بيوت إخوانكم فهذا جاء على الأقل من الاستعمال.
قوله عز وجل :
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١١ الى ١٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)
هذه الآيات والتي بعدها نزلت في خلق أهل الجاهلية. وذلك لأنهم كانوا يجرون مع الشهوات نفوسهم لم يقومهم أمر من اللّه ولا نهي. فكان الرجل يسطو ويهمز ويلمز وينبز بالألقاب ويظن الظنون.
فيتكلم بها. ويغتاب ويفتخر بنسبه إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطالة. فنزلت هذه الآية تأديبا لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم. وذكر بعض الناس لهذه الآيات أسبابا. فمما قيل : إن هذه الآية : لا يَسْخَرْ قَوْمٌ نزلت بسبب عكرمة بن أبي جهل وذلك أنه كان يمشي بالمدينة مسلما، فقال له قوم : هذا ابن فرعون هذه الأمة، فعز ذلك عليه وشكاه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
وقال القاضي أبو محمد : والقوي عندي أن هذه الآية نزلت تقويما كسائر أمر الشرع ولو تتبعت الأسباب لكانت أكثر من أن تحصى.
و: يَسْخَرْ معناه : يستهزىء. والهزء إنما يترتب متى ضعف امرؤ إما لصغر وإما لعلة حادثة، أو لرزية أو لنقيصة يأتيها، فنهي المؤمنون عن الاستهزاء في هذه الأمور وغيرها نهيا عاما، فقد يكون ذلك المستهزأ به خيرا من الساخر، والقوم في كلام العرب : واقع على الذكران، وهو من أسماء الجمع :
كالرهط والنفر. وقول من قال : إنه من القيام أو جمع قائم ضعيف، ومنه قول الشاعر وهو زهير :[الوافر]
وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء
وهذه الآية أيضا تقتضي اختصاص القوم بالذكران، وقد يكون مع الذكران نساء فيقال لهم قوم على تغليب حال الذكور، ثم نهى تعالى النساء عمّا نهى عنه الرجال من ذلك.