المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٦٠
بإضافة الشيء إلى نفسه بل هي كإضافة الجنس إلى نوعه كما تقول : لا يجوز حي الطير بلحمه.
وأما قوله تعالى : إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ فقال المفسرون العامل في : إِذْ، أَقْرَبُ، ويحتمل عندي أن يكون العامل فيه فعلا مضمرا تقديره : اذكر إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ويحسن هذا المعنى، لأنه أخبر خبرا مجردا بالخلق والعلم بخطرات الأنفس والقرب بالقدرة والملك، فلما تم الإخبار، أخبر بذكر الأحوال التي تصدق هذا الخبر وتبين وروده عند السامع، فمنها إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ، ومنها مجيء سكرة الموت، ومنها النفخ في الصور ومنها مجيء كل نفس، والْمُتَلَقِّيانِ : الملكان الموكلان بكل إنسان :
ملك اليمين الذي يكتب الحسنات، وملك الشمال الذي يكتب السيئات. قال الحسن : الحفظة : أربعة، اثنان بالنهار واثنان باليل.
قال القاضي أبو محمد : ويؤيد ذلك الحديث، «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث بكامله. ويروى أن ملك اليمين أمير على ملك الشمال، وأن العبد إذا أذنب يقول ملك اليمين للآخر تثبت لعله يتوب رواه إبراهيم التيمي وسفيان الثوري.
وقَعِيدٌ معناه : قاعد، وقال قوم هو بمنزلة أكيل، فهو بمعنى مقاعد وقال الكوفيون : أراد قعودا فجعل الواحد موضع الجنس، والأول أصوب لأن المقاعد إنما يكون مع قعود الإنسان، وقال مجاهد :
قَعِيدٌ : رصد ومذهب سيبويه أن التقدير عن اليمين قعيد، فاكتفى بذكر الآخر عن ذكر الأول ومثله عنده قول الشاعر [كثير عزة] :[الطويل ] وعزة ممطول معنّى غريمها ومثله قول الفرزدق :[الكامل ]
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبي وكان وكنت غير غدور
وهذه الأمثلة كثيرة، ومذهب المبرد : أن التقدير عن اليمين قَعِيدٌ وعن الشمال فأخر قَعِيدٌ عن مكانه ومذهب الفراء أن لفظ قَعِيدٌ يدل على الاثنين والجمع فلا يحتاج إلى تقدير غير الظاهر وقوله تعالى : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : يكتب الملكان الكلام فيثبت اللّه من ذلك الحسنات، والسيئات، ويمحو غير ذلك، وهذا هو ظاهر الآية، قال أبو الجوزاء ومجاهد : يكتبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه، وقال عكرمة : المعنى : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ خير أو شر، وأما ما خرج من هذا فإنه لا يكتب والأول أصوب، وروي أن رجلا قال لجمله : حل، فقال ملك اليمين لا أكتبها، وقال ملك الشمال لا أكتبها، فأوحى اللّه إلى ملك الشمال أن اكتب ما ترك ملك اليمين، وروي نحوه عن هشام الحمصي وهذه اللفظة إذا اعتبرت فهي بحسب مشيه ببعيره، فإن كان في طاعة فحل حسنة، وإن كان في معصية فهي سيئة والمتوسط بين هذين عسير الوجود ولا بد أن يقترن بكل أحوال المرء قرائن تخلصها للخير أو لخلافه. وحكى الثعلبي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«إن مقعد الملكين على الثنيتين، قلمهما اللسان، ومدادهما الريق» وقال الضحاك والحسن : مقعدهما تحت الشعر، وكان الحسن يحب أن ينظف غفقته لذلك قال الحسن : حتى إذا مات طويت صحيفته وقيل له يوم