المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٧٢
وقال أبو طفيل عامر بن واثلة كان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه على المنبر فقال : لا تسألوني عن آية من كتاب اللّه أو سنة ماضية إلا قلت، فقام إليه ابن الكواء فسأله عن هذه، فقال : الذَّارِياتِ الرياح.
و«الحاملات» السحاب، و«الجاريات» السفن، و«المقسمات» الملائكة. ثم قال له سل سؤال تعلم ولا تسأل سؤال تعنت وهذا القسم واقع على قوله : إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ، وتُوعَدُونَ يحتمل أن يكون من الإيعاد، ويحتمل أن يكون من الوعد، وأيها كان فالوصف له بالصدق صحيح و: (صادق) هنا موضوع بدل صدق، ووضع الاسم موضع المصدر. و: الدِّينَ الجزاء. وقال مجاهد الحساب، والأظهر في الآية أنها للكفار وأنها وعيد محض بيوم القيامة.
ثم أقسم تعالى بمخلوق آخر فقال : وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ فظاهر لفظة السَّماءِ أنها لجميع السماوات، وقال عبد اللّه بن عمرو بن العاصي : هي السماء السابعة. و: الْحُبُكِ بضم الحاء والباء :
الطرائق التي هي على نظام في الأجرام، فحبك الرمان والماء : الطرائق التي تصنع فيها الريح الهابة عليها، ومنه قول زهير :
مكلل بعميم النبت تنسجه ريح خريف لضاحي مائه حبك
وحبك الدرع : الطرائق المتصلة في موضع اتصال الحلق بعضها ببعض، وفي بعض أجنحة الطير حبك على نحو هذا، ويقال لتكسر الشعر حبك، وفي الحديث :«أن من ورائكم الكذاب المضل، وأن من ورائه حبكا حبكا» يعني جعودة شعره فهو يكسره، ويظهر في المنسوجات من الأكسية وغيرها طرائق في موضع تداخل الخيوط هي حبك، ويقال نسج الثوب فأجاد حبكه، فهذه هي الحبك في اللغة. وقال منذر بن سعيد : إن في السماء في تألق جرمها هي هكذا لها حبك، وذلك لجودة خلقتها وإتقان صنعتها، ولذلك عبر ابن عباس في تفسير قوله وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ بأن قال : حبكها حسن خلقتها، وقال ابن جبير : الْحُبُكِ : الزينة. وقال الحسن : حبكها كواكبها، وقال ابن زيد : الْحُبُكِ : الشدة، وحبكت شدت، وقرأ سَبْعاً شِداداً [النبأ : ١٢] وقال ابن جني : الْحُبُكِ طرائق الغيم ونحو هذا، وواحد الْحُبُكِ : حباك، ويقال للظفيرة التي يشد بها حظار القصب ونحوه، وهي مستطيلة تمنع في ترجيب الغرسات المصطفة حباك وقد يكون واحد الْحُبُكِ حبيكة، وقال الراجز :[الوافر]
كأنما جللها الحواك، طنفسة في وشيها حباك
وقرأ جمهور الناس :«الحبك» بضم الحاء والباء. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو مالك الغفاري بضم الحاء وسكون الباء تخفيفا، وهي لغة بني تميم كرسل في رسل، وهي قراءة أبي حيوة وأبي السمال.
وقرأ الحسن أيضا وأبو مالك الغفاري :«الحبك» بكسر الحاء والباء على أنها لغة كإبل وإطل.
وقرأ الحسن أيضا فيما روي عنه :«الحبك» بكسر الحاء وسكون الباء كما قالوا على جهة التخفيف :
إبل وإطل بسكون الباء والطاء. وقرأ ابن عباس :«الحبك» بفتح الحاء والباء. وقرأ الحسن أيضا فيما روي عنه «الحبك» بكسر الحاء وضم الباء وهي لغة شاذة غير متوجهة، وكأنه أراد كسرهما ثم توهم «الحبك» قراءة الضم بعد أن كسر الحاء فضم الباء، وهذا على تداخل اللغات وليس في كلام العرب هذا البناء. وقرأ