المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٨١
قوله عز وجل :
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٤٥ الى ٥٢]
فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)
قال بعض المفسرين : مِنْ قِيامٍ معناه : ما استطاعوا أن يقوموا من مصارعهم. وقال قتادة وغيره معناه : ما قيام بالأمر ودفعه كما تقول : ما ان له بكذا وكذا قيام، أي استضلاع وانتهاض.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم :«و قوم نوح» بالنصب، وهو عطف إما على الضمير في قوله :
فَأَخَذَتْهُمُ ٤٤ [الذاريات : ٤٤] إذ هو بمنزلة أهلكناهم، وإما على الضمير في قوله : نَبَذْناهُمْ
[الذاريات : ٤٠]، وقرأ أبو عمرو فيما روى عنه عبد الوارث :«و قوم نوح» بالرفع وذلك على الابتداء وإضمار الخبر وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي :«و قوم» بالخفض عطفا على ما تقدم من قوله : وَفِي ثَمُودَ [الذاريات : ٤٣] وقد روي النصب عن أبي عمرو.
وقوله : وَالسَّماءَ نصب بإضمار فعل تقديره : وبنينا السماء بنيناها. والأيد : القوة قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، ووقعت في المصحف بياءين وذلك على تخفيف الهمز، وفي هذا نظر.
وقوله : لَمُوسِعُونَ يحتمل أن يريد : إنا نوسع الأشياء قوة وقدرة كما قال تعالى : عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ [البقرة : ٢٣٦] أي الذي يوسع أهله إنفاقا، ويحتمل أن يريد : لَمُوسِعُونَ في بناء السماء، أي جعلناها واسعة وهذا تأويل ابن زيد وقال الحسن : أوسع الرزق بمطر السماء و«الماهد» المهيئ الموطئ للموضع الذي يتمهد ويفترش.
وقوله تعالى : وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ أي مصطحبين ومتلازمين، فقال مجاهد معناه أن هذه إشارة إلى المتضادات والمتقابلات من الأشياء كالليل والنهار والشقوة والسعادة والهدى والضلالة والأرض والسماء والسواد والبياض والصحة والمرض والكفر والإيمان ونحو هذا، ورجحه الطبري بأنه دل على القدرة التي توجد الضدين، بخلاف ما يفعل بطبعه فعلا واحدا كالتسخين والتبريد. وقال ابن زيد وغيره :
هي إشارة إلى الأنثى والذكر من كل حيوان والترجي الذي في قوله : لَعَلَّكُمْ هو بحسب خلق البشر وعرفها. وقرأ الجمهور «تذكرون» بشد الذال والإدغام. وقرأ أبي بن كعب :«تتذكرون» بتاءين وخفة الذال.
وقوله : فَفِرُّوا أمر بالدخول في الإيمان وطاعة اللّه، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقابا وعذابا وأمرا حقه أن يفر منه، فجمعت لفظة «فروا» بين التحذير والاستدعاء، وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» الحديث، قال الحسن بن الفضل : من فر إلى غير اللّه.


الصفحة التالية
Icon