المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٩٠
شَيْءٍ بأن يريد من عملهم المحسن والقبيح، ويكون الضمير في عَمَلِهِمْ عائد على الأبناء، وهذا تأويل ابن زيد، ويحسن هذا الاحتمال قوله تعالى : كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ، والرهين المرتهن، وفي هذه الألفاظ وعيد.
وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه قرأ :«و ما لتناهم» بغير ألف وفتح اللام. قال أبو حاتم : لا تجوز هذه القراءة على وجه من الوجوه. وأمددت الشيء : إذا سربت إليه شيئا آخر يكثره أو يكثر لديه. وقوله :
مِمَّا يَشْتَهُونَ إشارة إلى ما روي من أن المنعم إذا اشتهى لحما نزل ذلك الحيوان بين يديه على الهيئة التي اشتهاه فيها، وليس يكون في الجنة لحم يخزن ولا يتكلف فيه الذبح والسلخ والطبخ. وبالجملة : لا كلفة في الجنة، و: يَتَنازَعُونَ معناه : يتعاطون، ومنه قول الأخطل :[البسيط]
نازعته طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري
والكأس : الإناء وفيه الشراب. ولا يقال في فارغ كأس، قاله الزجاج.
وقرأ جمهور من السبعة وغيرهم «لا لغو» بالرفع «و لا تأثيم» كذلك. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن :«لا لغو ولا تأثيم» بالنصب على التبرية وعلى الوجهين. فقوله فِيها هو في موضع الخبر، وأغنى خبر الأولين عن ذكر خبر الثاني. واللغو : السقط من القول. والتأثيم : يلحق خمر الدنيا في نفس شربها وفي الأفعال التي تكون من شرابها، وذلك كله مرتفع في الآخرة. و: «اللؤلؤ المكنون» أجمل اللؤلؤ لأن الصون والكن يحسنه. وقال ابن جبير : أراد أنه الذي في الصدف لم تنله الأيدي، وقيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : إذا كان الغلمان كاللؤلؤ المكنون، فكيف المخدومون؟ قال :«هم كالقمر ليلة البدر». ثم وصف عنهم أنهم في جملة تنعمهم يتساءلون عن أحوالهم وما قال كل أحد منهم، وأنهم يتذكرون حال الدنيا وخشيتهم فيها عذاب الآخرة. وحكى الطبري عن ابن عباس قال : تساؤلهم إذا بعثوا في النفخة الثانية. والإشفاق أشد الخشية ورقة القلب.
وقرأ أبو حيوة :«و وقانا» بشد القاف. وقراءة الجمهور بتخفيفها. وأمال عيسى الثقفي :«و وقانا» بتخفيف القاف.
و: السَّمُومِ الحار. قال الرماني : هو الذي يبلغ مسام الإنسان، وهو النار في هذه الآية. وقد يقال في حر الشمس وفي الريح سموم. وقال الحسن : السَّمُومِ اسم من أسماء جهنم و: نَدْعُوهُ يحتمل أن يريد نعبده، ويحسن هذا على قراءة من قرأ :«أنه» بفتح الألف. وهي قراءة نافع. بخلاف والكسائي وأبي جعفر والحسن وأبي نوفل أي من أجل أنه. وقرأ باقي السبعة والأعرج وجماعة «أنه» على القطع والاستئناف، ويحسن مع هذه القراءة أن يكون نَدْعُوهُ بمعنى نعبده. أو بمعنى الدعاء نفسه، ومن رأى :
نَدْعُوهُ بمعنى الدعاء نفسه فيحتمل أن يجعل قوله :«أنه» بالفتح هو نفس الدعاء الذي كان في الدنيا.
و: الْبَرُّ هو الذي يبر ويحسن، ومنه قول ذي الرمة :[البسيط]
جاءت من البيض زعر لا لباس لها إلا الدهاس وأم برة وأب


الصفحة التالية
Icon