المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٩٢
الكفر وعبادة الأصنام. والأحلام : العقول. و: أَمْ المتكررة في هذه الآية قدرها بعض النحاة بألف الاستفهام، وقدرها مجاهد ب «بل». والنظر المحرر في ذلك أن منها ما يتقدر ببل، والهمزة على حد قول سيبويه في قولهم : إنها لا بل أم شاء، ومنها ما هي معادلة، وذلك قوله : أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ.
وقرأ مجاهد :«بل هم قوم طاغون» وهو معنى قراءة الناس، إلا أن العبارة ب أَمْ خرجت مخرج التوقيف والتوبيخ. وحكى الثعلبي عن الخليل أنه قال : ما في سورة «الطور» من أَمْ كله استفهام وليست بعطف. و: تَقَوَّلَهُ معناه : قال عن الغير إنه قاله. فهي عبارة عن كذب مخصوص. ثم عجزهم تعالى بقوله : فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ والمماثلة المطلوبة منهم هي في النظم والرصف والإيجاز.
واختلف الناس هل كانت العرب قادرة على الإتيان بمثل القرآن قبل مجيء محمد صلى اللّه عليه وسلم، فقال شداد : يسمون أهل الصرفة كانت قادرة وصرفت، وقال الجمهور : لم تكن قط قادرة ولا في قدرة البشر أن يأتي بمثله. لأن البشر لا يفارقه النسيان والسهو والجهل واللّه تعالى محيط علمه بكل شيء.
فإذا ترتبت اللفظة في القرآن، علم بالإحاطة التي يصلح أن تليها ويحسن معها المعنى. وذلك متعذر في البشر، والهاء في مِثْلِهِ عائدة على القرآن.
وقرأ الجحدري «بحديث مثله» بإضافة الحديث إلى مثل. فالهاء على هذا عائدة على محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله تعالى : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ قال الطبري معناه : أم خلقوا خلق الجماد من غير حي فهم لا يؤمرون ولا ينهون كما هي الجمادات عليه. وقال آخرون معناه : خلقوا لغير علة ولا لغير عقاب ولا ثواب. فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرعون. وهذا كما تقول : فعلت كذا وكذا من غير علة، أي لغير علة.
ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنفسهم : أهم الذين خلقوا الأشياء؟ فهم لذلك يتكبرون، ثم خصص من الأشياء السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لعظمها وشرفها في المخلوقات، ثم حكم عليهم بأنهم لا يُوقِنُونَ ولا ينظرون نظرا يؤديهم إلى اليقين.
قوله عز وجل :
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٣٧ الى ٤٤]
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤)
قوله تعالى : أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ بمنزلة قوله : أم عندهم الاستغناء عن اللّه في جميع الأمور، لأن المال والصحة والقوة غير ذلك من الأشياء كلها من خزائن اللّه كلها. قال الزهراوي وقيل يريد ب «الخزائن» : العلم، وهذا قول حسن إذا تأمل وبسط. وقال الرماني : خزائنه تعالى : مقدوراته،