المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ١٩٩
قوله تعالى : أَفَتُمارُونَهُ خطاب لقريش، وهو من الصراء والمعنى أتجادلونه في شيء رآه وأبصره، وهذه قراءة الجمهور وأهل المدينة، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وحمزة والكسائي :
«أ فتمرونه» بفتح التاء دون ألف بعد الميم، والمعنى : أفتجدونه؟ وذلك أن قريشا لما أخبرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأمره في الإسراء مستقصى، كذبوا واستخفوا حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر عيرهم وغير ذلك مما هو في حديث الإسراء مستقصى، ورواها سعيد عن النخعي :«أ فتمرونه» بضم التاء، قال أبو حاتم : وذلك غلط من سعيد. وقوله : يَرى مستقبلا والرؤية قد مضت عبارة تعم جميع ما مضى وتشير إلى ما يمكن أن يقع بعد، وفي هذا نظر.
واختلف الناس في الضمير في قوله : وَلَقَدْ رَآهُ حسبما قدمناه، فقال ابن عباس وكعب الأحبار : هو عائد على اللّه، وقال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع : هو عائد على جبريل. و: نَزْلَةً معناه : مرة، ونصبه على المصدر في موضع الحال. و: سِدْرَةِ الْمُنْتَهى هي شجرة نبق، قال كعب : هي في السماء السابعة، وروى ذلك مالك بن صعصعة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. وقال ابن مسعود : في السماء السادسة. وقيل لها : سِدْرَةِ الْمُنْتَهى لأنها إليها ينتهي علم كل عالم، ولا يعلم ما وراءها صعدا إلا اللّه تعالى. وقيل سميت بذلك لأنها إليها ينتهي من مات على سنة النبي صلى اللّه عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد : هم المؤمنون حقا من كل جيل.
وقيل سميت بذلك، لأن ما نزل من أمر اللّه فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة العلو، وما صعد من الأرض فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة السفل. وروي عن النبي عليه السلام أن الأمة من الأمم تستظل بظل الفنن منها، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«رفعت لي سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة».
وقوله تعالى : عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى قال الجمهور : أراد أن يعظم مكان السدرة ويشرفه بأن جَنَّةُ الْمَأْوى عندها. قال الحسن : وهي الجنة التي وعد بها العالم المؤمن. وقال قتادة وابن عباس بخلاف هي جنة يأوي إليها أرواح الشهداء والمؤمنين، وليست بالجنة التي وعد بها المؤمنون جنة النعيم، وهذا يحتاج إلى سند وما أراه يصح عن ابن عباس.
وقرأ علي بن أبي طالب وابن الزبير بخلاف، وأنس بن مالك بخلاف، وأبو الدرداء وزر بن حبيش وقتادة ومحمد بن كعب :«جنه المأوى» بالهاء في جنة، وهو ضمير محمد صلى اللّه عليه وسلم، والمعنى :
ستره وضمه إيواء اللّه تعالى وجميل صنعه به، يقال : جنه وأجنه، وردت عائشة وصحابة معها هذه القراءة وقالوا : أجن اللّه من قرأها. والجمهور قرأ :«جنة» كالآية الأخرى : فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا [السجدة : ١٩] وحكى الثعلبي أن معنى «جنه المأوى» : ضمه المبيت والليل.
وقوله : إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى التعامل في : إِذْ، رَآهُ. المعنى : رآه في هذه الحال.