المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢١٢
ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود : رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء، وقال ابن زيد : كان يرى نصفه على قعيقعان والآخر على أبي قبيس. وقرأ حذيفة :«اقتربت الساعة وقد انشق القمر»، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته :«اقتربت الساعة انشق القمر» دون واو.
وقوله : وَإِنْ يَرَوْا جاء اللفظ مستقبلا لينتظم ما مضى وما يأتي، فهو إخبار بأن حالهم هكذا، واختلفت الناس في معنى : مُسْتَمِرٌّ فقال الزجاج قيل معناه : دائم متماد. وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه : مار ذاهب عن قريب يزول. وقال أبو العالية والضحاك معناه : مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر، أي أحكم. ومنه قول الشاعر [لقيط بن زرارة] :[البسيط]
حتى استمرت على شزر مريرته صدق العزيمة لا رتّا ولا ضرعا
ثم أخبر تعالى بأنهم كذبوا واتبعوا شهواتهم وما يهوون من الأمور لا بدليل ولا بتثبت، ثم قال على جهة الخبر الجزم، وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ يقول : وكل شيء إلى غاية فالحق يستقر ظاهرا ثابتا، والباطل يستقر زاهقا ذاهبا.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «و كل مستقر» بجر «مستقر»، يعني بذلك أشراطها. والجمهور على كسر القاف من «مستقر» وقرأ نافع وابن نصاح بفتحها، قال أبو حاتم : لا وجه لفتح القاف.
و: الْأَنْباءِ جمع نبأ، ويدخل في هذا جميع ما جاء به القرآن من المواعظ والقصص ومثلات الأمم الكافرة، و: مُزْدَجَرٌ معناه : موضع زجر وانتهاء، وأصله : مزتجر، قلبت التاء دالا ليناسب مخرجها مخرج الزاي، وكذلك تبدل تاء افتعل من كل فعل أوله زاي كازدلف وازداد ونحوه.
وقوله : حِكْمَةٌ مرتفع إما على البدل من ما في قوله : ما فِيهِ، وإما على خبر ابتداء تقديره :
هذه حكمة و: بالِغَةٌ معناه : يبلغ المقصد بها من وعظ النفوس والبيان لمن له عقل. وقوله : فَما تُغْنِ النُّذُرُ، يحتمل أن تكون «ما» نافية، أي ليس تغني مع عتو هؤلاء الناس، ويحتمل أن تكون «ما» استفهاما بمعنى التقرير، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة، ثم سلى نبيه بقوله : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات، وتم القول في قوله : عَنْهُمْ ثم ابتدأ وعيدهم، والعامل في يَوْمَ قوله :
يَخْرُجُونَ، و: خُشَّعاً حال من الضمير في يَخْرُجُونَ وتصرف الفعل يقتضي تقدم الحال، قال المهدوي : ويجوز أن يكون حالا من الضمير في عَنْهُمْ. قال الرماني المعنى : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ واذكر يَوْمَ. وقال الحسن المعنى : فَتَوَلَّ عَنْهُمْ إلى يَوْمَ، وانحذفت الواو من يَدْعُ لأن كتبة المصحف اتبعوا اللفظ لا ما يقتضيه الهجاء، وأما حذف الياء من : الدَّاعِ ونحوه، فقال سيبويه : حذفوه تخفيفا. وقال أبو علي : حذفت مع الألف واللام إذ هي تحذف مع معاقبهما وهو التنوين.
وقرأ جمهور الناس :«نكر» بضم الكاف. وقرأ ابن كثير وشبل والحسن :«نكر» بكسر الكاف، وقرأ مجاهد والجحدري وأبو قلابة :«نكر» بكسر الكاف وفتح الراء على أنه فعل مبني للمفعول، والمعنى في ذلك كله


الصفحة التالية
Icon