المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢١٤
بالسب والنجه والتخويف، قاله ابن زيد وقرأ : لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ [الشعراء : ١١٦]، وذهب مجاهد إلى أن وَازْدُجِرَ من كلام قَوْمُ نُوحٍ، كأنهم قالوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، والمعنى : استطير جنونا واستعر جنونا، وهذا قول فيه تعسف وتحكم.
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والأعرج والحسن «أني» بفتح الألف، أي «بأنه» كأن دعاءه كان هذا المعنى. وقرأ عاصم أيضا وابن أبي إسحاق وعيسى «إني» بكسر الألف كأن دعاءه كان هذا اللفظ قال سيبويه : المعنى قال إني.
وذهب جمهور المفسرين إلى أن المعنى أني قد غلبني الكفار بتكذيبهم وتخويفهم، انتصر لي منهم بأن تهلكهم، ويحتمل أن يريد : فانتصر لنفسك إذ كذبوا رسولك. ويؤيده قول ابن عباس إن المراد بقوله :
لمن كان كفر اللّه تعالى، فوقعت الإجابة على نحو ما دعا نوح عليه السلام، وذهبت المتصوفة إلى أن المعنى : إني قد غلبتني نفسي في إفراطي في الدعاء على قومي فانتصر مني يا رب بمعاقبة إن شئت.
والقول الأول هو الحق إن شاء اللّه يدل على ذلك اتصال قوله : فَفَتَحْنا الآية، وذلك هو الانتصار من الكفار.
وقرأ جمهور القراء :«ففتحنا» بتخفيف التاء. وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج :«ففتّحنا» بشدها على المبالغة ورجحها أبو حاتم لقوله تعالى : مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [ص : ٥٠]، قال النقاش : يعني بالأبواب المجرة وهي شرج السماء كشرج العبية، وقال قوم من أهل التأويل : الأبواب حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء. وقال جمهور المفسرين : بل هو مجاز وتشبيه، لأن المطر كثر كأنه من أبواب. والمنهمر الشديد الوقوع الغزير. قال امرؤ القيس :[الرمل ]
راح تمريه الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر
وقرأ الجمهور :«و فجّرنا» بشد الجيم. وقرأ ابن مسعود وأصحابه وأبو حيوة عن عاصم :«و فجرنا» بتخفيفها. وقرأ الجمهور :«فالتقى الماء» على اسم الجنس الذي يعم ماء السماء وماء العيون. وقرأ الحسن وعلي بن أبي طالب وعاصم الجحدري. «فالتقى الماءان» ويروى عن الحسن :«فالتقى الماوان».
وقوله : عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ قال فيه الجمهور على رتبة وحالة قد قدرت في الأزل وقضيت. وقال جمهور من المتأولين المعنى : على مقادير قد قدرت ورتبت وقت التقائه، ورووا أن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعا وكان ماء السماء ينزل عليه بقية أربعين ذراعا أو نحو هذا لأنه مما اختلفت فيه الروايات ولا خبر يقطع العذر في شيء من هذا التحرير. وقرأ أبو حيوة :«قدّر» بشد الدال. وذات الألواح والدسر : هي السفينة قيل كانت ألواحها وخشبها من ساج، والدسر : المسامير، واحدها : دسار، وهذا هو قول الجمهور، وهو عندي من الدفع المتتابع، لأن المسمار يدفع أبدا حتى يستوي. وقال الحسن وابن عباس أيضا :
الدسر : مقادم السفينة، لأنها تدسر الماء أي تدفعه. والدسر : الدفع. وقال مجاهد وغيره : نطق السفينة.
وقال أيضا : هو أرض السفينة. وقال أيضا : أضلاع السفينة، وقد تقدم القول في شرح قصة السفينة مستوعبا، وجمهور الناس على أنها كانت على هيئة السفن اليوم كجؤجؤ الطائر، وورد في بعض الكتب أنها


الصفحة التالية
Icon