المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٢٣

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الرّحمن
وهي مكية فيما قال الجمهور من الصحابة والتابعين. وقال نافع بن أبي نعيم وعطاء وقتادة وكريب وعطاء الخراساني عن ابن عباس : هي مدنية، نزلت عند إباية سهيل بن عمرو وغيره أن يكتب في الصلح بسم اللّه الرحمن الرحيم، والأول أصح، وإنما نزلت حين قالت قريش بمكة : وما الرحمن؟ أنسجد لما تأمرنا؟ وفي السيرة أن ابن مسعود جهر بقراءتها في المسجد حتى قامت إليه أندية قريش فضربوه، وذلك قبل الهجرة.
قوله عز وجل :
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ١ الى ١٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
الرَّحْمنُ بناء مبالغة من الرحمة، وهو اسم اختص اللّه تعالى بالاتصاف به، وحكى ابن فورك عن قوم أنهم يجعلون الرَّحْمنُ آية تامة، كأن التقدير : الرَّحْمنُ ربنا، قاله الرماني أو أن التقدير : اللّه الرَّحْمنُ. وقال الجمهور إنما الآية : الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ فهو جزء آية.
وقوله : عَلَّمَ الْقُرْآنَ تعديد نعمة أي هو من به وعلمه الناس، وخص حفاظه وفهمته بالفضل. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«خيركم من تعلم القرآن وعلمه». ومن الدليل على أن القرآن غير مخلوق : أن اللّه تعالى ذكر الْقُرْآنَ في كتابه في أربعة وخمسين موضعا ما فيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق ولا أشار إليه، وذكر الْإِنْسانَ على الثلث من ذلك في ثمانية عشر موضعا، كلها نصت على خلقه، وقد اقترن ذكرهما في هذه السورة على هذا النحو، و: «الإنسان» اسم الجنس، حكاه الزهراوي وغيره. و: الْبَيانَ النطق والفهم والإبانة عن ذلك بقول قاله ابن زيد والجمهور، وذلك هو الذي فضل الإنسان من سائر الحيوان، وقال قتادة : هو بيان الحلال والحرام والشرائع، وهذا جزء من «البيان» العام، وقال قتادة : الْإِنْسانَ آدم. وقال ابن كيسان : الْإِنْسانَ : محمد صلى اللّه عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon