المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٢٩
وقرأ حمزة وأبو بكر بخلاف :«المنشئات» بكسر الشين، أي تنشئ هي السير إقبالا وإدبارا، و«الأعلام» الجبال وما جرى مجراها من الظراب والآكام. وقال مجاهد : ما له شراع فهو من الْمُنْشَآتُ، وما لم برفع له شراع فليس من الْمُنْشَآتُ وقوله : كَالْأَعْلامِ هو الذي يقتضي هذا الفرق، وأما لفظة الْمُنْشَآتُ فيعم الكبير والصغير، والضمير في قوله كُلُّ مَنْ عَلَيْها للأرض، وكنى عنها، ولم يتقدم لها ذكر لوضوح المعنى كما قال تعالى : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص : ٣٢] إلى غير ذلك من الشواهد، والإشارة بالفناء إلى جميع الموجودات على الأرض من حيوان وغيره، فغلب عبارة من يعقل، فلذلك قال : مَنْ. والوجه عبارة عن الذات. لأن الجارحة منفية في حق اللّه تعالى : وهذا كما تقول : هذا وجه القول والأمر، أي حقيقته وذاته.
وقرأ جمهور الناس :«ذو الجلال» على صفة لفظة الوجه. وقرأ عبد اللّه بن مسعود وأبيّ :«ذي الجلال» على صفات الرب.
قوله عز وجل :
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٩ الى ٣٦]
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)
قوله : يَسْئَلُهُ يحتمل أن يكون في موضع الحال من الوجه، والعامل فيه يَبْقى [الرحمن : ٢٧] أي هو دائم في هذه الحال، ويحتمل أن يكون فعلا مستأنفا إخبارا مجردا. والمعنى أن كل مخلوق من الأشياء فهو في قوامه وتماسكه ورزقه إن كان مما يرزق بحال حاجة إلى اللّه تعالى، فمن كان يسأل بنطق فالأمر فيه بين، ومن كان من غير ذلك فحاله تقتضي السؤال، فأسند فعل السؤال إليه.
وقوله : كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ أي يظهر شأن من قدرته التي قد سبقت في الأزل في ميقاته من الزمن من إحياء وإماتة ورفعة وخفض، وغير ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلا هو تعالى. والشأن : اسم جنس للأمور. قال الحسين بن الفضل : معنى الآية، سوق المقادير إلى المواقيت. وورد في بعض الأحاديث، «إن اللّه تعالى له كل يوم في اللوح المحفوظ ثلاثمائة وستون نظرة، يعز فيها ويذل، ويحيي ويميت، ويغني ويعدم إلى غير ذلك من الأشياء، لا إله إلا هو». وفي الحديث أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ هذه الآية فقيل له ما هذا الشأن يا رسول اللّه؟ قال : يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع ويضع.
وذكر النقاش أن سبب هذه الآية قول اليهود : إن اللّه استراح يوم السبت، فلا ينفذ فيه شيئا.
وقوله تعالى : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ عبارة عن إتيان الوقت الذي قدر فيه وقضى أن ينظر في أمور عباده وذلك يوم القيامة، وليس المعنى : أن ثم شغلا يتفرغ منه، وإنما هي إشارة وعيد، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«لأزب العقبة لأفرغن لك يا خبيث» والتفرغ من كل آدمي حقيقة.


الصفحة التالية
Icon