المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٣٩
وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وأبو حيوة :«خافضة رافعة» بالنصب على الحال بعد الحال التي هي لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ولك أن تتابع الأحوال. كما لك أن تتابع أخبار المبتدأ، والقراءة الأولى أشهر وأبرع معنى، وذلك أن موقع الحال من الكلام موقع ما لم يذكر لاستغني عنه وموقع الجمل التي يجزم الخبر بها موقع ما يتهمم به.
واختلف الناس في معنى هذا الخفض والرفع في هذه الآية، فقال قتادة وعثمان بن عبد اللّه بن سراقة : القيامة تخفض أقواما إلى النار، وترفع أقواما إلى النار، وترفع أقواما إلى الجنة. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى وترفعها لتسمع الأقصى. وقال جمهور من المتأولين : القيامة بتفطر السماء والأرض والجبال انهدام هذه البنية، ترفع طائفة من الأجرام وتخفض أخرى، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب، والعامل في قوله : إِذا رُجَّتِ، وَقَعَتِ، لأن إِذا هذه بدل من إِذا الأولى، وقد قالوا : إن وَقَعَتِ هو العامل في الأولى، وذلك لأن معنى الشرط فيها قوي، فهي ك «من» و«ما» في الشرط، يعمل فيها ما بعدها من الأفعال، وقد قيل إن إِذا مضافة إلى وَقَعَتِ فلا يصح أن يعمل فيها، وإنما العامل فيها فعل مقدر. ومعنى : رُجَّتِ زلزلت وحركت بعنف، قاله ابن عباس، ومنه ارتج السهم في الغرض إذا اضطرب بعد وقوعه، والرجة في الناس الأمر المحرك.
واختلف اللغويون في معنى : بُسَّتِ فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة معناه : فتتت، كما تبس البسيسة وهي السويق، ويقال بسست الدقيق إذا ثريته بالماء وبقي مفتتا، وأنشد الطبري في هذا :[الرجز] لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا وقال هذا قول لص أعجله الخوف عن العجين، فقال لصاحبه هذا. وقال بعض اللغويين : بُسَّتِ معناه سيرت قالوا والخبز سير الشديد وضرب الأرض بالأيدي، والبس : السير الرفيق، وأنشد البيت :
[الرجز]
لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا وجنباها نهشلا وعبسا
ولا تطيلا بمناخ حبسا ذكر هذا أبو عثمان اللغوي في كتابه في الأفعال.
و«الهباء» : ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلت من كوة، قاله ابن عباس ومجاهد. وقال قتادة : الهباء : ما تطاير من يبس النبات. وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه الهباء : ما تطاير من حوافر الخيل والدواب. وقال ابن عباس أيضا، الهباء : ما تطاير من شرر النار، فإذا طفي لم يوجد شيئا. والمنبث : بالتاء المثلثة، الشائع في جميع الهواء.
وقرأ النخعي :«منبتا» بالتاء بنقطتين، أي متقطعا، ذكر ذلك الثعلبي.
قال القاضي أبو محمد : والقول الأول في هباء أحسن الأقوال.