المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٤٦
واختلف الناس في هذا الشيء الأسود الذي يظل أهل النار ما هو فقال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد هو الدخان، وهذا قول الجمهور. وقال ابن عباس أيضا : هو سرادق النار المحيط بأهلها، فإنه يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم، وحكى النقاش، أن اليحموم : اسم من أسماء جهنم، وقاله ابن كيسان، وقال ابن بريدة وابن زيد أيضا في كتاب الثعلبي : هو جبل من نار أسود يفزع أهل النار إلى ذراه فيجدونه أشد شيء وأمره.
وقوله : وَلا كَرِيمٍ قال الطبري وغيره معناه : ليس له صفة مدح في الظلال، وهذا كما تقول : ثوب كريم ونسب كريم، يعني بذلك أن له صفات مدح.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يصفه بعدم الكرم على معنى : ألا كرامة لهم، وذلك أن المرء في الدنيا قد يصبر على سوء الموضوع لقرينة إكرام يناله فيه من أحد، فجمع هذا الظل في النار أنه سييء الصفة وهم فيه مهانون. والمترف : المنعم في سرف وتخوض.
ويُصِرُّونَ معناه : يعتقدون اعتقادا لا ينوون عنه إقلاعا، قال ابن زيد : لا يثوبون ولا يستغفرون.
والْحِنْثِ : الإثم ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«من مات له ثلاث من الولد لم يبلغوا الحنث».
الحديث، أراد : لم يبلغوا الحلم فتتعلق بهم الآثام. وقال الخطابي : الْحِنْثِ في كلام العرب العدل الثقيل، شبه الإثم به.
واختلف المفسرون في المراد بهذا الإثم هنا، فقال قتادة والضحاك وابن زيد : هو الشرك، وهذا هو الظاهر. وقال قوم في ما ذكر مكي : هو الحنث في قسمهم الذي يتضمنه قوله تعالى : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ [الأنعام : ١٠٩، النحل : ٣٨، النور : ٥٣، فاطر : ٤٢] الآية في التكذيب بالبعث، وهذا أيضا يتضمن الكفر، فالقول به على عمومه أولى. وقال الشعبي : الْحِنْثِ الْعَظِيمِ : اليمين الغموس.
وقد تقدم ذكر اختلاف القراء في قوله : أَإِذا، وإِنَّا، ويختص من ذلك بهذا الموضع أن ابن عامر يخالف فيه أصله فيقرأ هذا :«أ ئذا». «أ إنا» بتحقيق الهمزتين فيهما على الاستفهام، ورواه أبو بكر عن عاصم في قوله : إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ والعامل في قوله : أَإِذا فعل مضمر يدل عليه قوله : لَمَبْعُوثُونَ تقديره : أنبعث أو نحشر، ولا يعمل فيه ما بعده لأنه مضاف إليه.
وقرأ عيسى الثقفي :«متنا» بضم الميم، وقرأ جمهور الناس :«متنا» بكسرها وهذا على لغة من يقول :
مت أموت على وزن فعل بكسر العين يفعل بضمها، ولم يحك منها عن العرب إلا هذه اللفظة وأخرى هو فضل يفضل.
وقرأ بعض القراء :«أو» بسكون الواو ومعنى الآية استبعاد أن يبعثوا هم وآباؤهم على حد واحد من الاستبعاد وقرأ الجمهور :«أو آباؤنا» بتحريك الواو على أنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، ومعناها : شدة الاستبعاد في الآباء، كأنهم استبعدوا أن يبعثوا، ثم أتوا بذكر من البعث فيهم أبعد وهذا بين لأهل العلم بلسان العرب.


الصفحة التالية
Icon