المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٨١
ذلك، والعذاب الشديد هو عذاب الآخرة. وقرأ جمهور الناس :«أيمانهم» جمع يمين. وقرأ الحسن بن أبي الحسن :«إيمانهم»، أي يظهرونه من الإيمان والجنة : ما يتستر به ويتقي المحذور، ومنه المجن : وهو الترس : وقوله فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يحتمل أن يكون الفعل غير متعد كما تقول صد زيد، أي صدوا هم أنفسهم عن سبيل اللّه والإيمان برسوله، ويحتمل أن يكون متعديا أي صدوا غيرهم من الناس عن الإيمان ممن اقتدى بهم وجرى في مضمارهم، ويحتمل أن يكون المعنى فَصَدُّوا المسلمين عن قتلهم، وتلك «سبيل اللَّهِ» فيهم لكن ما أظهروه من الإيمان صدوا به المسلمين عن ذلك، والمهين : المذل من الهوان.
قوله عز وجل :
[سورة المجادلة (٥٨) : الآيات ١٧ الى ٢١]
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)
روي أن المنافقين فخروا بكثرة أموالهم وأولادهم وأظهروا السرور بذلك، فنزلت الآية معلمة أن ذلك لا غناء له عنهم ولا مدفع بسببه. والعامل في قوله يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ، أَصْحابُ على تقدير فعل، وأخبر اللّه تعالى عنهم في هذه الآية أنه ستكون لهم أيمان يوم القيامة وبين يدي اللّه يخيل إليهم بجهلهم أنها تنفعهم وتقبل منهم، وهذا هو حسابهم أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ، أي على فعل نافع لهم، وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي : قال النبي عليه السلام :«ينادي مناد يوم القيامة : أين خصماء اللّه، فتأتي القدرية مسودة وجوههم زرقة أعينهم، فيقولون واللّه ما عبدنا شمسا ولا قمرا ولا صنما ولا اتخذنا من دونك وليا»، قال ابن عباس :
صدقوا واللّه ولكن أتاهم الإشراك من حيث لا يعلمون، ثم تلا ابن عباس هذه الآية، وقوله تعالى :
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ معناه : تملكهم من كل جهة وغلب على نفوسهم، وهذا الفعل مما استعمل على الأصل فإن قياس التعليل يقتضي أن يقال : استحاذ، وحكى الفراء في كتاب اللغات أن عمر رضي اللّه عنه قرأ :«استحاذ». ويُحَادُّونَ معناه : يعطون الحد من الأفعال والأقوال، وقال بعض أهل المعاني :
معناه يكونون في حد غير الحد الذي شرع اللّه تعالى، ثم قضى تعالى على محاده بالذل وأخبر أنه كتب فيما أمضاه من قضائه وقدره في الأزل أنه يغلب هو ورسله كل من حاد اللّه والرسل. وقرأ نافع وابن عامر :
«و رسلي» بفتح الياء. وقرأ الباقون بسكونها. وقال الحسن وغيره : ما أمر اللّه تعالى قط رسولا بالقتال إلا وغلبه، وظفره بقوته وعزته لا رب سواه، وقال غيره : ومن لم يؤمر بقتال فهو غالب بالحجة.
قوله عز وجل :