المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٢٨٥
بعد موت موسى عليه السلام بيسير، لأنهم كانوا من الجيش الذي رجع وقد عصوا في أن لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق لجماله وعقله، وقد كان موسى عليه السلام قال لهم لا تستحيوا أحدا، فلما رجع ذلك الجيش إلى بني إسرائيل بالشام وجدوا موسى ميتا، وقال لهم بنو إسرائيل أنتم عصاة واللّه لا دخلتم علينا بلادنا، فقال أهل ذلك الجيش عند ذلك ليس لنا أحب من البلاد التي غلبنا أهلها، فانصرفوا إلى الحجاز، فكانوا فيه فلم يجر عليهم الجلاء الذي أجراه بختنصر على أهل الشام، وقد كان اللّه تعالى كتب في الأزل على بني إسرائيل جلاء فنالهم هذا الْجَلاءَ على يدي محمد صلى اللّه عليه وسلم، ولولا ذلك لَعَذَّبَهُمْ اللّه فِي الدُّنْيا بالسيف والقتل كأهل بدر وغيرهم. ويقال : جلا الرجل وأجلاه غيره، وقد يقال : أجلى الرجل نفسه بمعنى جلا، والمشاقة كون الإنسان في شق ومخالفه في شق، وقوله : ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ سببها أن بعض أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وضعوا أيديهم في نخل بني النضير يقطعون ويحرقون، فقال بنو النضير : ما هذا الإفساد يا محمد وأنت تنهى عن الفساد فكف عن ذلك بعض الصحابة وذلك في صدر الحرب معهم، فنزلت الآية معلمة أن جميع ما جرى من قطع أو إمساك فَبِإِذْنِ اللَّهِ، وردت الآية على قول بني النضير، إن محمدا ينهى عن الفساد وها هو ذا يفسد فأعلم اللّه تعالى أن ذلك بإذنه لِيُخْزِيَ به الْفاسِقِينَ من بني النضير، واختلف الناس في اللينة، فقال الحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون : اللينة النخلة اسمان بمعنى واحد وجمعها لين وليان، قال الشاعر [امرؤ القيس ] :[المتقارب ]
وسالفة كسحوق الليان أضرم فيها الغوي السعر
وقال الآخر [ذو الرمة] :
طراق الخوافي واقع فوق لينة ندى ليله في ريشه يترقرق
وقال ابن عباس وجماعة من اللغويين : اللينة من النخل ما لم يكن عجوة. وقال سفيان بن سعيد الثوري : اللينة الكريمة من النخل، وقال أبو عبيدة فيما روي عنه وسفيان : اللينة : ما تمرها لون وهو نوع من التمر، يقال له اللون، قال سفيان، هو شديد الصفرة يشف عن نواة من التمر فيرى من خارج وأصلها لونة فأبدلت لموافقة الكسرة، وقال أيضا أبو عبيدة اللين : ألوان النخل المختلطة التي ليس فيها عجوة ولا برني. وقرأ ابن مسعود والأعمش :«أو تركتموها قوماء على أصولها»، وقوله تعالى : وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ الآية. إعلام إنما أخذ لبني النضير ومن فدك فهو خاص للنبي صلى اللّه عليه وسلم وليس على حكم الغنيمة التي يوجف عليها ويقاتل فيها بل على حكم خمس الغنائم، وذلك أن بني النضير لم يوجف عليها، ولا قوتلت كبير قتال، فأخذ منها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لنفسه قوت عياله وقسم سائرها في المهاجرين، ولم يعط منها الأنصار شيئا، غير أن أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف شكيا عظيمة فأعطاهما، هذا قول جماعة من العلماء، وفي ذلك قول عمر بن الخطاب : كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّه عليه مما لم يوجف عليه المسلمون ب خَيْلٍ وَلا رِكابٍ فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي منها جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل اللّه. قال بعض العلماء : وكذلك كل ما فتح على الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة والوجيف : دون