المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٠٠
امرأة أجنبية قط، فروي عن عائشة وغيرها أنه بايع باللسان قولا، وقال :«إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة»، وقالت أسماء بنت يزيد : كنت في النسوة المبايعات فقلت : يا رسول اللّه ابسط يدك نبايعك، فقال لي عليه السلام :«إني لا أصافح النساء لكن آخذ عليهن ما أخذ اللّه عليهن»، وذكر النقاش حديثا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم مد يده من خارج بيت ومد نساء من الأنصار أيديهن من داخله فبايعهن وما قدمته أثبت، وروي عن الشعبي أنه لف ثوبا كثيفا قطريا على يده وجاء نسوة فلمسن يده كذلك، وروي عن الكلبي : أنه قدم عمر بن الخطاب فلمس نساء يده وهو خارج من بيت وهن فيه بحيث لا يراهن، وذكر النقاش وغيره : أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بايعه النساء على الصفا بمكة وعمر بن الخطاب يصافحهن، وروي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ورفعه النقاش عن ابن عباس وعن عروة بن مسعود الثقفي : أنه عليه السلام غمس يده في إناء فيه ماء ثم دفعه إلى النساء فغمسن أيديهن فيه. ثم أمره تعالى بالاستغفار لهن ورجاهن في غفرانه ورحمته بقوله : إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقوله تعالى : قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قال ابن زيد والحسن ومنذر بن سعيد هم اليهود لأن غضب اللّه قد صار عرفا لهم، وقال ابن عباس : هم في هذه الآية كفار قريش لأن كل كافر فعليه غضب من اللّه لا يرد بذلك ثبوت الغضب على اليهود.
قال القاضي أبو محمد : ولا سيما في المردة ككفار قريش إذ أعمالهم مغضبة ليست بمجرد ضلال بل فيها شرارات مقصودة، وفي الكلام في التشبيه الذي في قوله : كَما يَئِسَ يتبين الاحتياج إلى هذا الخلاف وذلك أن اليأس من الآخرة إما أن يكون بالتكذيب بها، وهذا هو يأس كفار مكة، قال معنى قوله :
كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ كما يئس الكافر من صاحب قبر لأنه إذا مات له حميم قال : هذا آخر العهد به لن يبعث أبدا، فمعنى الآية : أن اعتقاد أهل مكة في الآخرة كاعتقاد الكافر في البعث ولقاء موتاه، وهذا هو تأويل ابن عباس والحسن وقتادة في معنى قوله تعالى : كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ، ومن قال إن القوم المشار إليهم هم اليهود، قال معنى قوله : يَئِسَ الْكُفَّارُ أي كما يئس الكافر من الرحمة إذا مات وكان صاحب قبر، وذلك أنه يروى أن الكافر إذا كان في قبره عرض عليه مقعده في الجنة أن لو كان مؤمنا ثم يعرض عليه مقعده من النار الذي يصير إليه فهو يائس من رحمة اللّه مع علمه بها ويقينه، وهذا تأويل مجاهد وابن جبير وابن زيد في قوله : كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ فمعنى الآية : أن يأس اليهود من رحمة اللّه في الآخرة مع علمهم بها كيأس ذلك الكافر في قبره وذلك لأنهم قد رين على قلوبهم وحملهم الحسد على ترك الإيمان وغلب على ظنونهم أنهم معذبون، وهذه كانت صفة كثير من معاصري النبي صلى اللّه عليه وسلم، ومِنَ في قوله مِنْ أَصْحابِ على القول الأول هي لابتداء الغاية، وفي القول الثاني هي لبيان الجنس والتبعيض يتوجهان فيها وبيان الجنس أظهر.
نجز تفسير سورة الممتحنة والحمد للّه على ذلك.