المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣١
وقوله : لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ أي لا جدال ولا مناظرة، قد وضح الحق وأنتم تعاندون، وفي قوله تعالى : اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وعيد.
وقوله : وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ قال ابن عباس ومجاهد إنها نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومجادلتهم بأن قالوا : كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فديننا أفضل، فنزلت الآية في ذلك، وقيل بل نزلت في قريش لأنها كانت أبدا تحاول هذا المعنى وتطمع في رد الجاهلية و: يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ معناه في توحيد اللّه، أي يحاجون فيه بالإبطال والإلحاد وما أشبه، والضمير في : لَهُ يحتمل أن يعود على اللَّهِ تعالى، أي بعد ما دخل في دينه، ويحتمل أن يعود على الدين والشرع، ويحتمل أن يعود على محمد عليه السلام. و: داحِضَةٌ معناه : زاهقة. والدحض : الزلق، وباقي الآية بيّن.
قوله عز وجل :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)
لما أنحى القول على الذين يحاجون في توحيد اللّه ويرومون إطفاء نوره، صدع في هذه الآية بصفة من أنزل الكتاب الهادي للناس. و: الْكِتابَ هنا اسم جنس يعم جميع الكتب المنزلة.
وقوله : بِالْحَقِّ يحتمل أن يكون المعنى بأن كان ذلك حقا واجبا للمصلحة والهدى، ويحتمل أن يكون المعنى مضمنا الحق، أي بالحق في أحكامه وأوامره. والْمِيزانَ هنا العدل، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والناس. وحكى الثعلبي عن مجاهد أنه قال : هو هنا الميزان الذي بأيدي الناس.
قال القاضي أبو محمد : ولا شك أنه داخل في العدل وجزء منه وكل شيء من الأمور، فالعدل فيه إنما هو بوزن وتقدير مستقيم، فيحتاج في الأجرام إلى آلة، وهي العمود والكفتان التي بأيدي البشر، ويحتاج في المعاني إلى هيئات في النفوس وفهوم توازن بين الأشياء.
وقوله : وَما يُدْرِيكَ، لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ وعيد للمشركين، أي فانظر في أي غورهم وجاء لفظ :
قَرِيبٌ مذكرا من حيث تأنيث الساعة غير حقيقي، وإذ هي بمعنى الوقت.
ثم وصف تعالى حال الجهلة الكاذبين بها، فهم لذلك يستعجلون بها، أي يطلبون تعجيلها ليبين العجز ممن يحققها، فالمصدق بها مشفق خائف، والمكذب مستعجل مقيم لحجته على تكذيبه بذلك


الصفحة التالية
Icon