المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣١٣
أنفسهم، ويحتمل أن يكون : أَنَّى ظرفا ل قاتَلَهُمُ كأنه قال قاتَلَهُمُ اللَّهُ، كيف انصرفوا أو صرفوا، فلا يكون في القول استفهام على هذا.
قوله عز وجل :
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ٥ الى ٨]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)
كان أمر عبد اللّه بن أبي ابن سلول، أنه خرج مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فبلغ الناس إلى ماء سبق إليه المهاجرون وكأنهم غلبوا الأنصار عليه بعض الغلبة، فقال عبد اللّه بن أبي لأصحابه : قد كنت قلت لكم في هؤلاء الجلابيب ما قلت فلم تسمعوا مني، وكان المنافقون ومن لا يتحرى يسمي المهاجرين الجلابيب ومنه قول حسان بن ثابت :[البسيط]
أرى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن القريعة أمسى بيضة البلد
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«أ تحض علينا يا حسان»، ثم إن الجهجاه الغفاري كان أجيرا لعمر بن الخطاب ورد الماء بفرس لعمر، فازدحم هو وسنان بن وبرة الجهني وكان حليفا للأوس فكسع الجهجاه سنانا، فغضب سنان فتأثروا، ودعا الجهجاه : يا للمهاجرين، ودعا سنان : يا للأنصار، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال :«ما بال دعوى الجاهلية»، فلما أخبر بالقصة، قال :«دعوها فإنها منتنة». واجتمع في الأمر عبد اللّه بن أبيّ في قوم من المنافقين، وكان معهم زيد بن أرقم فتى صغيرا لم يتحفظ منه، فقال عبد اللّه بن أبي : أوقد تداعوا علينا فو اللّه ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك، وقال لهم : لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وقال لهم : إنما يقيم هؤلاء المهاجرون مع محمد بسبب معونتكم وإنفاقكم عليهم، ولو قطعتم ذلك عنهم لفروا، فذهب زيد بن أرقم إلى عمه وكان في حجره وأخبره، فأتى به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«يا زيد، غضبت على الرجل أو لعلك وهمت»، فأقسم زيد ما كان شيء من ذلك، ولقد سمع من عبد اللّه بن أبيّ ما حكى، فعاتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رسول اللّه بن أبي عند رجال من الأنصار، فبلغه ذلك، فجاء وحلف ما قال، وكذّب زيدا، وحلف معه قوم من المنافقين، فكذب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيدا، وصدق عبد اللّه بن أبي، فبقي زيد في منزله لا يتصرف حياء من الناس،