المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣١٥
«ليخرجن الأعز» بضم الياء وكسر الراء بمعنى أن العزيز يخرج الذليل ويبعده، وقال أبو حاتم : وقرىء «لنخرجن» بنون الجماعة مفتوحة، وضم الراء، «الأعزّ» نصبا منها، «الأذلّ» أيضا نصبا على الحال، وذكرها أبو عمر الداني عن الحسن، ورويت هذه القراءة :«لنخرجن» بضم النون وكسر الراء، وقرأ قوم فيما حكى الفراء والكسائي، وذكرها المهدوي :«ليخرجن الأعز منها الأذلّ» بفتح الياء وضم الراء. ونصب «الأذلّ» على الحال بمعنى : أن نحن الذين كنا أعزة سنخرج أذلاء، وجاءت هذه الحال معرفة، وفيها شذوذ، وحكى سيبويه : أدخلوا الأول فالأول، ثم أعلم تعالى أن العزة للّه وللرسول وللمؤمنين، وفي ذلك وعيد، وروي أن عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي، وكان رجلا صالحا لما سمع الآية، جاء إلى أبيه فقال له : أنت واللّه يا أبت الذليل، ورسول اللّه العزيز، فلما وصل الناس إلى المدينة، وقف عبد اللّه بن عبد اللّه على باب السكة التي يسلكها أبوه، وجرد السيف ومنعه الدخول، وقال : واللّه لا دخلت إلى منزلك إلا أن يأذن في ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وعبد اللّه ابن أبي في أذل الرجال، وبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فبعث إليه أن خلّه يمض إلى منزله، فقال : أما الآن فنعم، فمضى إلى منزله.
قوله عز وجل :
[سورة المنافقون (٦٣) : الآيات ٩ الى ١١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)
الإلهاء الإشغال بملتذ وشهوة، وذكر اللَّهِ هنا عام في الصلاة والتوحيد والدعاء، وغير ذلك من فرض ومندوب، وهذا قول الحسن وجماعة من المفسرين، وقال الضحاك وعطاء وأصحابه : المراد بالذكر :
الصلاة المكتوبة، والأول أظهر، وكذلك قوله تعالى : وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ، قال جمهور من المتأولين :
المراد الزكاة، وقال آخرون : ذلك عام في مفروض ومندوب. وقوله : يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي علاماته، وأوائل أمره وقوله : لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، طلب للكرة والإمهال، وفي مصحف أبي بن كعب :
«آخرتن» بغير ياء، وسماه قريبا لأنه آت، وأيضا فإنما يتمنى ذلك ليقضي فيه العمل الصالح فقط، وليس يتسع الأمل حينئذ لطلب العيش ونضرته، وفي مصحف أبي :«فأتصدق»، وقوله : وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ظاهره العموم، فقال ابن عباس هو الحج، وروي عنه أنه قال في مجلسه يوما : ما من رجل لا يؤدي الزكاة ولا يحج إلا طلب الكرة عند موته فقال له رجل : أما تتقي اللّه المؤمن بطلب الكرة؟ فقال له ابن عباس :
نعم، وقرأ الآية، وقرأ جمهور السبعة والناس :«و أكن» بالجزم عطفا على الموضع، لأن التقدير :«إن تؤخرني أصدق، وأكن»، هذا مذهب أبي علي، فأما ما حكاه سيبويه عن الخليل فهو غير هذا وهو جزم «أكن» على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، ولا موضع هنا، لأن الشرط ليس بظاهر، وإنما يعطف


الصفحة التالية
Icon