المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٢١
قوله عز وجل :
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١٦ الى ١٨]
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
قال قتادة وفريق من الناس : إن قوله : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ناسخ لقوله : اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران : ١٠٢]، وروي أن الأمر بحق التقاة نزل، فشق ذلك على الناس حتى نزل : مَا اسْتَطَعْتُمْ، وذهبت فرقة منهم أبو جعفر النحاس إلى أنه لا نسخ في الآيتين، وأن قوله : حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران : ١٠٢] مقصده «فيما استطعتم»، ولا يعقل أن يطيع أحد فوق طاقته واستطاعته، فهذه على هذا التأويل مبينة لتلك، وتحتمل هذه الآية أن يكون : فَاتَّقُوا اللَّهَ مدة استطاعتكم التقوى، وتكون : مَا ظرفا للزمان كله كأنه يقول : حياتكم وما دام العمل ممكنا، وقوله : خَيْراً ذهب بعض النحاة إلى أنه نصب على الحال وفي ذلك ضعف، وذهب آخرون منهم إلى أنه نصب بقوله : وَأَنْفِقُوا قالوا والخبر هنا : المال، وذهب فريق منهم إلى أنه نعت لمصدر محذوف، تقديره : إنفاقا خَيْراً، ومذهب سيبويه :
أنه نصب بإضمار فعل يدل عليه أَنْفِقُوا.
وقرأ أبو حيوة :«يوقّ» بفتح الواو وشد القاف، وقرأ أبو عمرو «شح» بكسر الشين، وقد تقدم القول في :«شح» النفس ما هو في سورة الحشر. وقال الحسن : نظرك لامرأة لا تملكها شح، وقيل : يا رسول اللّه : ما يدخل العبد النار؟ قال :«شح مطاع، وهوى متبع، وجبن هالع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك».
وقرأ جمهور السبعة :«تضاعفه» وقرأ ابن كثير وابن عامر :«يضاعفه»، وذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحض هو على أداء الزكاة المفروضة، وذهب آخرون منهم إلى أن الآية، في المندوب إليه وهو الأصح إن شاء اللّه.
وقوله تعالى : وَاللَّهُ شَكُورٌ إخبار بمجرد شكره تعالى على الشيء اليسير، وأنه قد يحط به عن من يشاء الحوب العظيم لا رب غيره.


الصفحة التالية
Icon