المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٣٤
قال القاضي أبو محمد : وهذا المسك بظواهر القرآن، وعلى هذا القول أطبقت المعتزلة، والتوبة الندم على فارط المعصية والعزم على ترك مثلها في المستقبل، وهذا من المتمكن، وأما غير المتمكن كالمجبوب في الزنا فالندم وحده يكفيه، والتوبة عبادة كالصلاة ونحوها، فإذا تاب العبد وحصلت توبته بشروطها وقبلت ثم عاود الذنب، فتوبته الأولى لا تفسدها عودة بل هي كسائر ما تحصل من العبادات، والنصوح بناء مبالغة من النصح إلى توبة نصحت صاحبها وأرشدته، وقرأ الجمهور :«نصوحا» بفتح النون، وقرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عن نافع والحسن والأعرج وعيسى :«نصوحا» بضم النون، وهو مصدر، يقال : نصح، ينصح، نصاحة، ونصاحة قاله الزجاج، فوصف التوبة بالمصدر كالعدل والزور وغيره، وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : التوبة النصوح، هي أن يتوب ثم لا يعود، وقال أبو بكر الوراق : هي أن تضيق عليك الأرض بما رحبت كتوبة الذين خلفوا، وقوله تعالى : عَسى رَبُّكُمْ الآية، ترجية، وقد روي أن عَسى من اللّه واجبة، والعامل في يَوْمَ قوله : يُدْخِلَكُمْ، وروي في معنى قوله تعالى : يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ، أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم تضرع في أمر أمته فأوحى اللّه إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك، فقال :«يا رب أنت أرحم بهم»، فقال اللّه تعالى : إذا لا أخزيك فيهم، فهذا معنى قوله :
يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ، والخزي المكروه الذي يترك الإنسان حيران خجلا مهموما بأن يرى نقصه، أو سوء منزلته، وقوله تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يحتمل أن يكون معطوفا على النَّبِيَّ فيخرج المؤمنون من الخزي، ويحتمل أن يكون ابتداء، ونُورُهُمْ يَسْعى جملة هي خبره، ويبقى النبي صلى اللّه عليه وسلم مخصوصا مفضلا بأنه لا يخزى، وقد تقدم القول في نظير قوله : يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ [التحريم : ٨]، وقرأ سهل بن سعد :«و بإيمانهم»، بكسر الهمزة، وقوله تعالى : رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا، قال الحسن بن أبي الحسن هو عند ما يرون من انطفاء نور المنافقين حسبما تقدم تفسيره، وقيل يقول من أعطي من النور بقدر ما يرى قدميه فقط.
قوله عز وجل :
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ٩ الى ١٠]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)
هذه الآية تأكيد لأمر الجهاد وفضله المتقدم، والمعنى دم على جهاد الكافرين بالسيف، وجاهد المنافقين بنجههم وإقامة الحدود عليهم وضربهم في كل جرائمهم، وعند قوة الظن بهم، ولم يعين اللّه تعالى لرسوله منافقا يقع القطع بنفاقه، لأن التشهد الذي كانوا يظهرون كان ملبسا لأمرهم مشبها لهم بالعصاة من الأمة. والغلظة عليهم هي فظاظة القلب والانتهار وقلة الرفق بهم، وقرأ الضحاك :«و أغلظ»


الصفحة التالية
Icon