المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٤
تودوني لقرابتي منكم وأن تكونوا أولى بي من غيركم. وقال مجاهد : المعنى إلا أن تصلوا رحمي باتباعي.
وقال ابن عباس أيضا ما يقتضي أنها مدنية، وسببها أن قوما من شباب الأنصار فاخروا المهاجرين ومالوا بالقول على قريش، فنزلت الآية في ذلك على معنى إلا أن تودوني فتراعوننى في قرابتي وتحفظونني فيهم، وقال بهذا المعنى في الآية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم، واستشهد بالآية حين سيق إلى الشام أسيرا، وهو تأويل ابن جبير وعمرو بن شعيب، وعلى هذا التأويل قال ابن عباس، قيل يا رسول اللّه، من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال : علي وفاطمة وابناهما، وقيل هو ولد عبد المطلب.
قال القاضي أبو محمد : وقريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل، وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة» وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي : سبب هذه الآية أن الأنصار جمعت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مالا وساقته إليه فرده عليهم ونزلت الآية في ذلك. وقال ابن عباس أيضا، معنى الآية : من قربى الطاعة والتزلف إلى اللّه تعالى : كأنه قال : إلا أن تودني، لأني أقربكم من اللّه، وأريد هدايتكم وأدعوكم إليها. وقال الحسن بن أبي الحسن معناه : إلا أن يتوددوا إلى اللّه بالتقرب إليه. وقال عبد اللّه بن القاسم في كتاب الطبري معنى الآية : إلا أن تتوددوا بعضكم إلى بعض وتصلوا قراباتكم، فالآية على هذا أمر بصلة الرحم. وذكر النقاش عن ابن عباس ومقاتل والكلبي والسدي أن الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة سبأ قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [سبأ : ٤٧] والصواب أنها محكمة، وعلى كل قول فالاستثناء منقطع، و: إِلَّا بمعنى : لكن. و: يَقْتَرِفْ معناه يكتسب، ورجل قرفة : إذا كان محتالا كسوبا.
وقرأت فرقة «يزد» على إسناد الفعل إلى اللّه تعالى، وقرأ جمهور الناس :«نزد» على نون العظمة، وزيادة الحسن هو التضعيف الذي وعد اللّه تعالى به مؤمني عباده، قاله الحسن بن أبي الحسن.
و: غَفُورٌ معناه : ساتر عيوب عبيده. و: شَكُورٌ معناه : مجاز على الدقيقة من الخير لا يضيع عنده لعامل عمل.
قوله عز وجل :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٤ الى ٢٧]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)
أَمْ هذه أيضا منقطعة مضمنة إضرابا عن كلام متقدم وتقريرا على هذه المقالة منهم.
وقوله تعالى : فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ معناه في قول قتادة وفرقة من المفسرين : ينسيك القرآن، والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان إبطالها، وذلك كأنه يقول : وكيف يصح أن تكون مفتريا وأنت من اللّه بمرأى