المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٥٠
«تنادوا» معناه : دعا بعضهم بعضا إلى المضي لميعادهم، وقرأ بعض السبعة :«أن اغدوا» بضم النون وبعضهم بكسرها، وقد تقدم هذا مرارا. وقولهم إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ، يحتمل أن يكون من صرام النخل، ويحتمل أن يريد إن كنتم من أهل عزم وإقدام على آرائكم من قولك سيف صارم، ويَتَخافَتُونَ معناه : يتكلمون كلاما خفيا، ومنه قوله تعالى : وَلا تُخافِتْ بِها [الإسراء : ١١٠]، وكان هذا التخافت خوفا من أن يشعر بهم المساكين، وكان لفظهم الذي يَتَخافَتُونَ به أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين.
وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة :«لا يدخلنها» بسقوط أن، وقوله تعالى : عَلى حَرْدٍ يحتمل أن يريد على منع من قولهم : حاردت الإبل، إذا قلت ألبانها فمنعتها، وحاردت السنة، إذا كانت شهباء لا غلة لها، ومنه قول الشاعر [الكميت ] :[الطويل ]
وحاردت النكد الجلاد فلم يكن لعقبة قدر المستعيرين معقب
ويحتمل أن يريد بالحرد القصد، وبذلك فسر بعض اللغويين، وأنشد عليه [القرطبي ] :[الرجز]
أقبل سيل جاء من أمر اللّه يحرد حرد الحبّة المغلة
أي يقصد قصدها، ويحتمل أن يريد بالحرد، الغضب، يقال : حرد الرجل حردا إذا غضب، ومنه قول الأشهب بن رميلة :[الطويل ]
أسود شرى لاقت أسودا خفية تساقوا على حرد دماء الأساود
وقوله تعالى : قادِرِينَ يحتمل أن يكون من القدرة، أي هم قادرون في زعمهم، ويحتمل أن يكون من التقدير كأنهم قد قدروا على المساكين، أي ضيقوا عليهم، ومنه قوله تعالى : وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق : ٧]، وقوله : فَلَمَّا رَأَوْها أي محترقة حسبوا أنهم قد ضلوا الطريق، وأنها ليست تلك، فلما تحققوها علموا أنها أصيبت، فقالوا : بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ، أي قد حرمنا غلتها وبركتها، فقال لهم أعدلهم قولا وخلقا وعقلا وهو الأوسط، ومنه قوله تعالى : أُمَّةً وَسَطاً [البقرة : ١٤٣] أي عدولا خيارا، وتُسَبِّحُونَ، قيل هي عبارة عن طاعة اللّه وتعظيمه، والعمل بطاعته. وقال مجاهد وأبو صالح : هي كانت لفظة، الاستثناء عندهم.
قال القاضي أبو محمد : وهذا يرد عليه قولهم : سُبْحانَ رَبِّنا فبادر القوم عند ذلك وتابوا وسبحوا واعترفوا بظلمهم في اعتقادهم منع الفقراء.
قوله عز وجل :
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٣٠ الى ٣٨]
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨)