المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٥٣
مسعود :«يكشف» بفتح الياء وكسر الشين على معنى يكشف اللّه، وقرأ ابن عباس :«تكشف» بضم التاء على معنى تكشف القيامة والشدة والحال الحاضرة، وقرأ ابن عباس أيضا :«تكشف» بفتح التاء على أن القيامة هي الكاشفة، وحكى الأخفش عنه أنه قرأ :«نكشف» بالنون مفتوحة وكسر الشين، ورويت عن ابن مسعود. وقوله تعالى : وَيُدْعَوْنَ ظاهره أن ثم دعاء إلى السجود، وهذا يرده ما قد تقرر في الشرع من أن الآخرة ليست بدار عمل وأنها لا تكليف فيها، فإذا كان هذا فإنما الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين فيريدون هم أن يسجدوا عند ذلك فلا يستطيعونه. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنهم يدعون إلى السجود على جهة التوبيخ، وخرج بعض الناس من قوله : فَلا يَسْتَطِيعُونَ أنهم كانوا يستطيعونه قبل ذلك، وذلك غير لازم. وعقيدة الأشعري : أن الاستطاعة إنما تكون مع التلبس بالفعل لما قبله، وهذا القدر كاف من هذه المسألة هاهنا. و: خاشِعَةً نصب على الحال وجوارحهم كلها خاشعة، أي ذليلة ولكنه خص الأبصار بالذكر لأن الخشوع فيها أبين منه في كل جارحة.
وقوله تعالى : تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي تزعج نفوسهم وتظهر عليهم ظهورا يخزيهم، وقوله تعالى : وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو، وقال بعض المتأولين :«السجود» هنا عبارة عن جميع الطاعات، وخص «السجود» بالذكر من حيث هو عظم الطاعات، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة، وقال إبراهيم التيمي والشعبي : أراد ب السُّجُودِ الصلوات المكتوبة، وقال ابن جبير : المعنى كانوا يسمعون النداء للصلاة : وحي على الفلاح فلا يجيبون، وفلج الربيع بن خيثم : فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد، فقيل له : إنك لمعذور، فقال : من سمع حي على الفلاح، فليجب ولو حبوا، وقيل لابن المسيب : إن طارقا يريد قتلك فاجلس في بيتك، فقال : أسمع حي على الفلاح فلا أجيب؟ واللّه لا فعلت.
وهذا كله قريب بعضه من بعض، وقوله تعالى : فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ وعيد ولم يكن ثم مانع، ولكنه كما تقول : دعني مع فلان، أي سأعاقبه، وَمَنْ في موضع نصب عطفا على الضمير في :
«ذرني» أو نصبا على المفعول معه، و«الحديث» المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب، والاستدراج هو : الحمل من رتبة إلى رتبة، حتى يصير المحمول إلى شر وإنما يستعمل الاستدراج في الشر، وهو مأخوذ من الدرج، قال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم، ويمنعون الشكر، وقال غيره : كلما زادوا ذنبا زادوا نعمة، وفي معنى الاستدراج قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«إن اللّه تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته». وقال الحسن : كم من مستدرج بالإحسان إليه ومغرور بالستر عليه. وَأُمْلِي لَهُمْ معناه : أؤخرهم ملاوة من الزمن، وهي البرهة والقطعة، يقال : ملاوة : بضم الميم وبفتحها وبكسرها، والكيد : عبارة عن العقوبة التي تحل بالكفار من حيث هي : على كيد منهم، فسمى العقوبة باسم الذنب، والمتين : القوي الذي له متانة، ومنه المتن الظهر.
قوله عز وجل :
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٦ الى ٥٢]
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠)
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)


الصفحة التالية
Icon