المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٦٠
الخطاب في قوله تعالى : تُعْرَضُونَ لجميع العالم، وروي عن أبي موسى الأشعري وابن مسعود أن في القيامة عرضتين فيهما معاذير وتوقيف وخصومات وجدال، ثم تكون عرضة ثالثة تتطاير فيها الصحف بالأيمان والشمائل. وقرأ حمزة والكسائي :«لا يخفى» بالياء وهي قراءة علي بن أبي طالب وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى، وقرأ الباقون : بالتاء على مراعاة تأنيث خافِيَةٌ وهي قراءة الجمهور، وقوله تعالى : خافِيَةٌ معناه ضمير ولا معتقد، والذين يعطون كتبهم بأيمانهم هم المخلدون في الجنة أهل الإيمان. واختلف العلماء في الفرقة التي ينفذ فيها الوعيد من أهل المعاصي متى تأخذ كتبها، فقال بعضهم الأظهر أنها تأخذها مع الناس، وذلك يؤنسها مدة العذاب، قال الحسن : فإذا أعطى كتابه بيمينه لم يقرأه حتى يأذن اللّه تعالى له، فإذا أذن له قال : هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ، وقال آخرون : الأظهر أنه إذا أخرجوا من النار والإيمان يؤنسهم وقت العذاب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ظاهر هذه الآية، لأن من يسير إلى النار فكيف يقول هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ؟ وأما قوله هاؤُمُ، فقال قوم : أصله هاوموا، ثم نقله التخفيف والاستعمال، وقرأ آخرون هذه الميم ضمير الجماعة، وفي هذا كله نظر. والمعنى على كل تعالوا، فهو استدعاء إلى الفعل المأمور به، وقوله تعالى : اقْرَؤُا كِتابِيَهْ هو استبشار وسرور، وقوله : ظَنَنْتُ الآية، عبارة عن إيمانه بالبعث وغيره، قال قتادة : ظن هذا ظنا يقينا فنفعه، وقوم ظنوا ظن الشك فشقوا به، وظَنَنْتُ هنا واقعة موقع تيقنت وهي في متيقن لم يقع بعد ولا خرج إلى الحس، وهذا هو باب الظن الذي يوقع موقع اليقين، وقرأ بعض القراء :«كتابيه» و«حسابيه» و«ماليه» و«سلطانيه» بالهاء في الوصل والوقف اقتداء بخط المصحف، وهي في الوصل بينة الوقوف لأنها هاء السكت، فلا معنى لها في الوصل، وطرح الهاءات في الوصل لا في الوقف الأعمش وابن أبي إسحاق، قال أبو حاتم : قراءتنا إثبات في الوقف وطرح في الوصل، وبذلك قرأ ابن محيصن وسلام، وقال الزهراوي في إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عنه أحد علمته، وراضِيَةٍ معناه : ذات رضى فهو بمعنى مرضية، وليست بناء اسم فاعل، وعالِيَةٍ معناه في المكان والقدر وجميع وجوه العلو، و«القطوف» : جمع قطف وهو يجتنى من الثمار ويقطف، ودنوها : هو أنها تأتي طوع المتمنى فيأكلها القائم والقاعد والمضطجع بفيه من شجرتها، وأَسْلَفْتُمْ معناه : قدمتم : و«الأيام» : هي أيام الدنيا لأنها في الآخرة قد خلت وذهبت.
وقال وكيع وابن جبير وعبد العزيز بن رفيع : المراد بِما أَسْلَفْتُمْ من الصوم وعمومها في كل الأعمال أولى وأحسن، والذين يؤتون كتابهم بشمائلهم : هم المخلدون في النار أهل الكفر فيتمنون أن لو كانوا معدومين لا يجري عليهم شيء، وقوله تعالى : يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ إشارة إلى موتة الدنيا، أي ليتها لم يكن بعدها رجوع ولا حياة، وقوله تعالى : ما أَغْنى يحتمل أن يريد الاستفهام على معنى التقرير لنفسه والتوبيخ، ويحتمل أن يريد النفي المحض، و«السلطان» في الآية :
الحجة على قول عكرمة ومجاهد، قال بعضهم ونحا إليه ابن زيد ينطق بذلك ملوك الدنيا الكفرة، والظاهرة


الصفحة التالية
Icon