المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٦٧
ويُبَصَّرُونَهُمْ على هذه القراءة قيل معناه في النار. وقال ابن عباس في المحشر يبصر بالحميم حميمه ثم يفر عنه لشغله بنفسه. وتقول : بصر فلان بالشيء، وبصرته به أريته إياه ومنه قول الشاعر :[الوافر]
إذا بصّرتك البيداء فاسري وأما الآن فاقتصدي وقيلي
وقرأ قتادة بسكون الباء وكسر الصاد خفيفة، فقال مجاهد : يُبَصَّرُونَهُمْ معناه يبصر المؤمنون الكفار في النار، وقال ابن زيد : يبصر الكفار من أضلهم في النار عبرة وانتقاما عليهم وخزيا لهم.
الْمُجْرِمُ في هذه الآية الكافر بدليل شدة الوعد وذكر لَظى وقد يدخل مجرم المعاصي فيما ذكر من الافتداء، وقرأ جمهور الناس :«يومئذ» بكسر الميم، وقرأ الأعرج بفتحها، ومن حيث أضيف إلى غير متمكن جاز فيه الوجهان. وقرأ أبو حيوة «من عذاب» منونا «يومئذ» مفتوح الميم، والصاحبة : هنا الزوجة، والفصيلة في هذه الآية قرابة الرجل الأدنون، مثال ذلك بنو هاشم مع النبي صلى اللّه عليه وسلم، والفصيلة في كلام العرب : أيضا الزوجة، ولكن ذكر الصاحبة في هذه الآية لم يبق في معنى الفصيلة إلا الوجه الذي ذكرناه. وقوله ثُمَّ يُنْجِيهِ الفاعل هو الفداء الذي تضمنه قوله لَوْ يَفْتَدِي فهو المتقدم الذكر. وقرأ الزهري «تؤويه» و«تنجيه» برفع الهاءين، وقوله تعالى : كَلَّا إِنَّها لَظى رد لقولهم وما ودوه أي ليس الأمر كذلك، ثم ابتدأ الإخبار عن لَظى وهي طبقة من طبقات جهنم، وفي هذا اللفظ تعظيم لأمرها وهولها. وقرأ السبعة والحسن وأبو جعفر والناس :«نزاعة» بالرفع، وقرأ حفص عن عاصم :«نزاعة» بالنصب، فالرفع على أن تكون لَظى بدلا من الضمير المنصوب، «و نزاعة» خبر «إن» أو على إضمار مبتدأ، أي هي نزاعة أو على أن يكون الضمير في إِنَّها للقصة، ولَظى ابتداء و«نزاعة» خبره، أو على أن تكون لَظى خبر و«نزاعة» بدل من لَظى، أو على أن تكون لَظى خبرا و«نزاعة» خبرا بعد خبر. وقال الزجاج :«نزاعة»، رفع بمعنى المدح.
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو القول بأنها خبر ابتداء تقديره هي نزاعة، لأنه إذا تضمن الكلام معنى المدح أو الذم جاز لك القطع رفعا بإضمار مبتدأ أو نصبا بإضمار فعل. ومن قرأ بالنصب فذلك إما على مدح لَظى كما قلنا، وإما على الحال من لَظى لما فيها من معنى التلظي، كأنه قال : كلا إنها النار التي تتلظى نزاعة، قال الزجاج : فهي حال مؤكدة و: «الشوى» جلد الإنسان، وقيل جلد الرأس والهامة، قاله الحسن. ومنه قول الأعشى :[مجزوء الكامل ]
قالت قتيلة ماله قد جللت شيبا شواته
ورواه أبو عمرو بن العلاء سراته فلا شاهد في البيت على هذه الرواية. قال أبو عبيدة : سمعت أعرابيا يقول اقشعرت شواتي، و«الشوى» أيضا : قوائم الحيوان، ومنه عبل الشوى، و«الشوى» أيضا : كل عضو ليس بمقتل، ومنه رمى فأشوى إذا لم يصب المقتل، وقال ابن جرير :«الشوى» العصب والعقب، فنار لظى تذهب هذا من ابن آدم وتنزعه. وقوله تعالى : تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى يريد الكفار، واختلف الناس في دعائها، فقال ابن عباس وغيره : هو حقيقة تدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وقال الخليل بن أحمد هي عبارة عن حرصها عليهم واستدنائها لهم، وما توقعه من عذابها، وقال ثعلب : تَدْعُوا، معناه : تهلك، تقول العرب : دعاك اللّه أي أهلكك، وحكاه الخليل عن العرب، و«أوعى» معناه : جعلها في الأوعية تقول : وعيت العلم وأوعيت المال والمتاع، ومنه قول الشاعر [عبيد بن الأبرص ] :[البسيط]


الصفحة التالية
Icon