المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٧٨

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الجنّ
وهي مكية بإجماع من المفسرين.
قوله عز وجل :
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (٤)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥)
قرأ جمهور الناس «قل أوحي إلي» من أوحى يوحي. وقرأ أبو أناس جوية بن عائذ :«قل أوحى إلي»، من وحي يحي ووحي وأوحى، بمعنى واحد، وقال العجاج :«وحي لها القرار فاستقرت». وقرأ أيضا جوية فيما روى عنه الكسائي، «قل أحي» أبدلت الواو همزة كما أبدلوها في وسادة وإسادة، وغير ذلك.
وكذلك قرأ ابن أبي عبلة، وحكى الطبري عن عاصم أنه كان يكسر كل ألف في السورة من «أن» و«إن» إلا قوله تعالى : وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الجن : ١٨]. وحكي عن أبي عمرو أنه يكسر من أولها إلى قوله وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ [الجن : ١٦] فإنه كان يفتح همزة وما بعدها إلى آخر السورة. فعلى ما حكي يلزم أن تكون الهمزة مكسورة في قوله «إنه استمع»، وليس ما ذكر بثابت. وذكر أبو علي الفارسي أن ابن كثير وأبا عمرو فتحا أربعة أحرف من السورة وكسرا غير ذلك أَنَّهُ اسْتَمَعَ، وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا [الجن : ١٦]، وَأَنَّ الْمَساجِدَ [الجن : ١٨]، وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ [الجن : ١٩]، وأن نافعا وعاصما في رواية أبي بكر والمفضل وافقا في الثلاثة وكسرا وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ [الجن : ١٩] مع سائر ما في السورة. وذكر أن ابن عامر وحمزة والكسائي كانوا يقرأون كل ما في السورة بالفتح إلا ما جاء بعد قول أو فاء جزاء، وكذلك حفص عن عاصم، فترتب إجماع القراء على فتح الألف من أَنَّهُ اسْتَمَعَ و«أن لو استقاموا» «و أن المساجد». وذكر الزهراوي عن علقمة أنه كان يفتح الألف في السورة كلها. واختلف الناس في الفتح من هذه الألفات وفي الكسر اختلافا كثيرا يطول ذكره وحصره وتقصي معانيه. قال أبو حاتم : أما الفتح فعلى أُوحِيَ، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله. وأما الكسر فحكاية وابتداء وبعد القول. وهؤلاء النفر من الجن هم الذين صادفوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرأ ببطن نخلة في صلاة الصبح وهو يريد عكاظ. وقد تقدم قصصهم في سورة الأحقاف في تفسير قوله تعالى : وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ [الأحقاف : ٢٩].


الصفحة التالية
Icon