المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٨٢
تقع أحيانا موقع غير. والطرائق : السير المختلفة، والقدد كذلك هي الأشياء المخالفة، كأنه قد قدّ بعضها من بعض وفصل. قال ابن عباس وعكرمة وقتادة : طَرائِقَ قِدَداً أهواء مختلفة. قال غيره فرق مختلفون.
قال الكميت :[البسيط]
جمعت بالرأي منهم كل رافضة إذ هم طرائق في أهوائهم قدد
وقولهم وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ الظن هنا بمعنى العلم. وهذا إخبار منهم عن حالهم بعد إيمانهم بما سمعوا من محمد صلى اللّه عليه وسلم، والْهُدى، يريد القرآن، سموه هدى من حيث هو سبب الهدى، والبخس : النقص، والرهق : تحميل ما لا يطاق وما يثقل من الأنكاد ويقرح. قال ابن عباس :
البخس : نقص الحسنات، والرهق : الزيادة في السيئات. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب «فلا يخف» بالجزم دون ألف، وقسم اللّه تعالى بعد ذلك حال الناس في الآخرة على نحو ما قسم قائل الجن، فقوله :
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ والقاسط : الظالم، قاله مجاهد وقتادة والناس، ومنه قول الشاعر :
[الكامل ]
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة عمرا وهم قسطوا على النعمان
والمقسط : العادل، وإنما هذا التقسيم ليذكر حال الطريقين من النجاة والهلكة، ويرغب في الإسلام من لم يدخل فيه، فالوجه أن يكون فَمَنْ أَسْلَمَ، مخاطبة من اللّه تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، ويؤيده ما بعده من الآيات، وتَحَرَّوْا : معناه طلبوا باجتهادهم، ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم :«لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها».
وقوله تعالى : جَهَنَّمَ حَطَباً
نظير قوله تعالى : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [البقرة : ٢٤، التحريم : ٦].
قوله عز وجل :
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ١٦ الى ٢٢]
وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠)
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢)
الضمير في قوله اسْتَقامُوا قال أبو مجلز والفراء والربيع بن أنس وزيد بن أسلم والضحاك بخلاف عنه : الضمير عائد على قوله من أَسْلَمَ [الجن : ١٤]، والطَّرِيقَةِ طريقة الكفر، لو كفر من أسلم من الناس لَأَسْقَيْناهُمْ إملاء لهم واستدراجا. وقال قتادة وابن جبير وابن عباس ومجاهد الضمير عائد على «القاسطين». والمعنى على طريقة الإسلام والحق لأنعمنا عليهم، وهذا المعنى نحو قوله : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ [المائدة : ٦٥]، وقوله لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ