المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٨٥
شرط و«لا» نافية كأنه يقول : ولن أجد ملتحدا إن لم أبلغ من اللّه ورسالته، ومِنَ في قوله مِنَ اللَّهِ لابتداء الغاية. وقوله تعالى : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ يريد الكفر بدليل الخلود المذكور. وقرأ طلحة وابن مصرف، «فإن له» على معنى فجزاؤه أن له، وقوله حَتَّى إِذا رَأَوْا، ساق الفعل في صيغة الماضي تحقيقا لوقوعه. وقوله تعالى : مَنْ أَضْعَفُ يحتمل أن تكون مَنْ في موضع رفع على الاستفهام والابتداء وأَضْعَفُ خبرها، ويحتمل أن تكون في موضع نصب ب «سيعلمون»، وأَضْعَفُ خبر ابتداء مضمر، ثم أمره تعالى بالتبري من معرفة الغيب في وقت عذابهم الذي وعدوا به، والأمد : المدة والغاية، وعالِمُ يحتمل أن يكون بدلا من رَبِّي [الجن : ٢٠] ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مضمر على القطع، وقرأ السدي :«عالم الغيب» على الفعل الماضي ونصب الباء، وقرأ الحسن :«فلا يظهر» بفتح الياء والهاء «أحد» بالرفع. وقوله تعالى : إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ معناه فإنه يظهره على ما شاء مما هو قليل من كثير، ثم يبث تعالى حول ذلك الملك الرسول حفظة رَصَداً لإبليس وحزبه من الجن والإنس، وقوله تعالى : لِيَعْلَمَ قال قتادة معناه لِيَعْلَمَ محمد أن الرسل قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وحفظوا ومنع منهم. وقال سعيد بن جبير : معناه يعلم محمد أن الملائكة الحفظة، الرصد النازلين بين يديه جبريل وخلفه قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ. وقال مجاهد لِيَعْلَمَ من كذب وأشرك أن الرسل قد بلغت.
قال القاضي أبو محمد : وهذا العلم لا يقع لهم إلا في الآخرة، وقيل معناه لِيَعْلَمَ اللّه رسالته مبلغة خارجة إلى الوجود لأن علمه بكل شيء قد تقدم، وقرأ الجمهور :«ليعلم» بفتح الياء أي اللّه تعالى.
وقرأ ابن عباس :«ليعلم» بضم الياء، وقرأ أبو حيوة :«رسالة ربهم» على التوحيد، وقرأ ابن أبي عبلة :
«وأحيط» على ما لم يسم فاعله، وقوله تعالى : وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ معناه كل شيء معدود، وقوله تعالى :
لِيَعْلَمَ الآية، مضمنه أنه تعالى قد علم ذلك، فعلى هذا الفعل المضمر انعطف وَأَحاطَ، وَأَحْصى واللّه المرشد للصواب بمنه.