المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٩
وحقر عندهم أمر الدنيا وشأنها ورغبهم فيما عنده من نعيمهم والمنزلة الرفيعة لديه، وعظم قدر ذلك في قوله : فَما أُوتِيتُمْ الآية.
وقوله : وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ عطف على قوله : الذين آمَنُوا. وقرأ جمهور الناس :«كبائر» على الجمع. قال الحسن : هي كل ما توعد فيه بالنار. وقال الضحاك : أو كان فيه حد من الحدود. وقال ابن مسعود : الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية. وقال علي وابن عباس : هي كل ما ختمه اللّه بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم :«كبير» على الإفراد الذي هو اسم الجنس. وقال ابن عباس : كبير الإثم : هو الشرك. وَالْفَواحِشَ قال السدي : الزنا. وقال مقاتل : موجبات الحدود، ويحتمل أن يكون كبير اسم جنس بمعنى كبائر، فتدخل موبقات السبع على ما قد تفسر من أمرها في غير هذه.
وقوله تعالى : وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ حض على كسر الغضب والتدرب في إطفائه، إذ هو جمهرة من جهنم وباب من أبوابها، وقال رجل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : أوصني، قال : لا تغضب، قال : زدني، قال : لا تغضب. قال : زدني : قال : لا تغضب ومن جاهد هذا العارض من نفسه حتى غلبه فقد كفي هما عظيما في دنياه وآخرته.
وقوله تعالى : وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا مدح لكل من آمن باللّه وقبل شرعه، ومدح تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم، لأن في ذلك اجتماع الكلمة والتحاب واتصال الأيدي والتعاضد على الخير، وفي الحديث :«ما تشاور قوم إلا هدوا لأحسن ما بحضرتهم».
وقوله : وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ معناه في سبيل اللّه وبرسم الشرع وعلى حدوده، وفي القوام الذي مدحه تعالى في غير هذه الآية. وقال ابن زيد قوله تعالى : وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ الآية نزلت في الأنصار، والظاهر أن اللّه تعالى مدح كل من اتصف بهذه الصفة كائنا من كان، وهل حصل الأنصار في هذه الصفة إلا بعد سبق المهاجرين لها رضي اللّه تعالى عن جميعهم بمنه.
قوله عز وجل :
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٩ الى ٤١]
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)
مدح اللّه تعالى في هذه الآية قوما بالانتصار من البغي، ورجح ذلك قوم من العلماء وقالوا : الانتصار بالواجب تغيير منكر، ومن لم ينتصر مع إمكان الانتصار فقد ترك تغيير المنكر واختلف الناس في المراد بالآية بعد اتفاقهم على أن من بغي عليه وظلم فجائز له أن ينتصر بيد الحق وحاكم المسلمين، فقال مقاتل :
الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص. وقالت فرقة : إنها نزلت في بغي المشرك على المؤمن، فأباح اللّه لهم الانتصار منهم دون تعدّ، وجعل العفو والإصلاح مقرونا بأجر، ثم نسخ ذلك بآية السيف،