المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٣٩٥ هو كاهن؟ ما هو بكاهن، أقول هو سِحْرٌ يُؤْثَرُ هو قول البشر، أي لبس منزل من عند اللّه قال أكثر المفسرين، فقوله تعالى : فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ هو دعاء عليه وتقبيح لحاله أي أنه ممن يستحق ذلك.
وروي عن الزهري وجماعة غيره أن الوليد حاج أبا جهل وجماعة من قريش في أمر القرآن وقال : واللّه إن له لحلاوة وإن أصله لعذق وإن فرعه لحياة وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو ولا يعلى ونحو هذا من الكلام فخالفوه فقالوا له : هو شعر، فقال واللّه ما هو بشعر، ولقد عرفنا الشعر هزجه وبسيطه، قالوا : فهو كاهن، قال واللّه ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان وزمزمتهم، قالوا : هو مجنون، قال : واللّه ما هو بمجنون، ولقد رأينا المجنون وخنقه، قالوا : هو سحر، قال أما هذا فيشبه أنه سحر ويقول أقوال نفسه.
قال القاضي أبو محمد : فيحتمل قوله تعالى : فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ أن يكون دعاء عليه على معنى تقبيح حاله، ويحتمل أن يكون دعاء مقتضاه استحسان منزعه الأول ومدحه القرآن، وفي نفيه الشعر والكهانة والجنون عنه فيجري هذا مجرى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لأبي جندل بن سهيل :«ويل أمه مسعر حرب»، ومجرى قول عبد الملك بن مروان : قاتل اللّه كثيرا كأنه رآنا حين قال كذا، وهذا معنى مشهور في كلام العرب، ثم وصف تعالى إدباره واستكباره وأنه ضل عند ذلك وكفر، وإذا قلنا إن ذلك دعاء على مستحسن فعله فيجيء قوله تعالى : ثُمَّ نَظَرَ، معناه نظر فيما احتج به القرآن فرأى ما فيه من علو مرتبة محمد عليه السلام ف عَبَسَ لذلك وَبَسَرَ أي قطب وقبض ما بين عينيه وأربد وجهه حسدا له فأدبر واستكبر، أي ارتكس في ضلاله وزال إقباله أولا ليهتدي ولحقته الكبرياء، وقال هذا سحر، ويُؤْثَرُ معناه يروى ويحمل، أي يحمله محمد عن غيره، وعلى التأويل أن الدعاء عليه دعاء على مستقبح فعله يجيء قوله ثُمَّ نَظَرَ معناه معادا بعينه لأن فَكَّرَ وَقَدَّرَ يقتضيه لكنه إخبار بترديده النظر في الأمر، وقد روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا الوليد فقال له : انظر وفكر فلما فكر قال ما تقدم.
قوله عز وجل :
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)
سَقَرَ هو الدرك السادس من جهنم على ما روي، و«أصليه» معناه أجعله فيها مباشرا لنارها، وقوله تعالى : وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ هو على معنى التعجب من عظم أمرها وعذابها ثم بين ذلك بقوله لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ المعنى : لا تُبْقِي على من ألقي فيها، وَلا تَذَرُ غاية من العذاب إلا وصلته إليها، وقوله تعالى : لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو رزين وجمهور الناس : معناه، مغيرة للبشرات، محرقة للجلود مسودة لها، و«البشر» جمع بشرة، وتقول العرب : لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسودته، وقال الشاعر [الأعشى ] :[الخفيف ]