المحرر الوجيز، ج ٥، ص : ٤١٠
عطرة كالكافور، وقيل نصب عَيْناً على المدح أو بإضمار أعني، وقوله يَشْرَبُ بِها بمنزلة يشربها. فالباء زائدة، وقال الهذلي : شربن بماء البحر. أي شربن ماء البحر، وقرأ ابن أبي عبلة :«يشربها عباد اللّه»، وعِبادُ اللَّهِ هنا خصوص في المؤمنين الناعمين لأن جميع الخلق عباده، ويُفَجِّرُونَها معناه يبثقونها بعود قصب ونحوه حيث شاؤوا، فهي تجري عند كل أحد منهم، هكذا ورد الأثر، وقال الثعلبي : وقيل هي عين في دار النبي صلى اللّه عليه وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين، وهذا قول حسن.
قوله عز وجل :
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ٧ الى ١٣]
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١)
وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣)
وصف اللّه تعالى حال الأبرار أنهم كانوا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ، أي بكل ما نذروه وأعطوا به عهدا. يقال وفى الرجل وأوفى، و«اليوم» المشار إليه يوم القيامة، ومُسْتَطِيراً معناه متصلا شائعا كاستطارة الفجر والصدع في الزجاجة. وبه شبه في القلب، ومن ذلك قول الأعشى :[المتقارب ]
فبانت وقد أسأرت في الفؤاد صدعا على نأيها مستطيرا
وقول ذي الرمة :[الوافر]
أراد الظاعنون لحيزنوني فهاجوا صدع قلبي فاستطاروا
وقوله تعالى : عَلى حُبِّهِ يحتمل أن يعود الضمير على الطعام، أي وهو محبوب للفاقة والحاجة.
وهذا قول ابن عباس ومجاهد. ويحتمل أن يعود على اللّه تعالى أي لوجهه وابتغاء مرضاته، قاله أبو سليمان الدراني. والأول أمدح لهم لأن فيه الإيثار على النفس. وعلى الاحتمال الثاني فقد يفعله الأغنياء أكثر.
وقال الحسين بن الفضل : الضمير عائد على الإطعام، أي محبين في فعلهم ذلك لا رياء فيه ولا تكلف، و«المسكين» الطواف المتكشف في السؤال، و«اليتيم» الصبي الذي لا أب له من الناس. والذي لا أم له من البهائم وهي صفة قبل البلوغ، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«لا يتم بعد حلم». و«الأسير» معروف. فقال قتادة : أراد أسرى الكفار وإن كانوا على غير الإسلام، وقال الحسن : ما كان أسراهم إلا مشركين، لأن كل كبد رطبة ففيها أجر. وقال بعض العلماء : هذا إما نسخ بآية السيف وإما أنه محكم لتحفظ حياة الأسير إلى أن يرى الإمام فيه ما يرى، وقال مجاهد وابن جبير وعطاء : أراد المسجونين من الناس. ولهذا يحض على صدقة السجن، فهذا تشبيه، ومن قول عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول. وروى الخدري أن النبي صلى اللّه عليه وسلم فسر الأسير هنا بالمملوك والمسجون. وقال : أراد أسرى المسلمين الذين تركوا في بلاد الحرب رهائن وخرجوا في طلب الفداء،